"لا يمكن الحكم على تصريحات رجل أعمال متقلب المزاج والمواقف، كما لن تكون تصريحاته ورغباته قدرًا محتومًا على الفلسطينيين"، يقول خبراء ومحللون بالشأن السياسي، عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي خرج للمرة الثالثة يدعو الفلسطينيين للخروج من غزة، بزعم إعادة بنائها.
وبالرغم من تأكيد ترامب، رفض مصر والأردن رسميًا استقبال أهالي غزة، وفق مخططه، قال أمس: "هناك من يرفض أموراً ثم يعود للموافقة عليها".
وأضاف "سكان قطاع غزة لا يمكنهم العيش فيه، لأنه مكان للهدم، وسوف نسيطر عليه ونبني الكثير، وأعتقد أن السكان سيغادرونه إذا أتيحت لهم الفرصة"، زاعمًا أن "المال الكافي في الشرق الأوسط سيمكنهم من الحصول على أراضي جديدة، والعيش بأماكن أفضل".
متقلب يتأثر بلقاءاته
لكن الرجل ذو العقلية الرأسمالية، وبالرغم من تأثره الشديد بالصهيونية واليمين المتطرف، كما هو واضح بتصريحاته عقب لقائه بنيامين نتنياهو، إلا أنه كل حساباته عبارة عن صفقات، اقتصادية بحتة، ضعيفة سياسيًا، وفق الخبير السياسي خلدون البرغوثي.
ويقول البرغوثي لوكالة "صفا": "إنه من الواضح ونحن لدينا تجارب مع ولاية سابقة لترامب، أنه يتأثر بآخر لقاء يجريه، وهو ما حدث بتصريحاته أمس، فأفكار تهجير غزة طرحت مجددًا في اجتماع نتنياهو به بالبيت الأبيض، وواضح أن موقفه سريع دون تخطيط أو تفكير".
ويضيف "حتى أن معظم المحللين والمراقبين السياسيين في إسرائيل، يتعاملون مع ترامب على أن أفكاره غير قابلة للتطبيق وقد لا يمكن تحقيقها".
ويستشهد بلقائه مع زوجة نتنياهو "سارة"، وكيف خرج عقبها بتصريحات هدد فيها بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم إن لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة، وكيف أصر على وقف الحرب وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار للنهاية.
"لكن ترامب خرج عقب ذلك بتصريحات مغايرة، حينما صرح قبل أيام بأنه لا يمكنه ضمان استمرار وقف إطلاق النار بغزة، وهو ما استدكره مبعوثه مؤخرًا بالتأكيد على أن الولايات المتحدة مصرة على تنفيذ بنود صفقة التبادل بكل مراحلها"، وفق البرغوثي.
ويقول "الرجل كل حين في حال، وحتى الآن ليس معروفًا ما المؤثرات التي يمكن أن تغير موقفه الحالي، ولكن من الصعب الحكم على ذلك، خاصة أنه مزاجي متغير، وسيغير موقفه بسرعة".
ويوضح البرغوثي رؤيته، بالإشارة إلى أن سياسة ترامب، هي عدم دخول الولايات المتحدة في المزيد من الحروب، وهو يمكنه أن يخوض حرب اقتصادية، لا عسكرية، كما يفعل الآن مع أوروبا ودول غربية كثيرة.
بالإضافة لذلك، فإن مقترح ترامب الذي يتضح للجميع بأنه "ترانسفير"، بمعنى مخطط تهجيري، إن فكر بتطبيقه سيُحدث ردود فعل غاضبة إقليمية وعربية، وحتى في داخل أمريكا، ولاسيما أن تصريحاته عمرها ساعات وولايته أيام.
ويتابع "لا أعتقد بأن المنظومة الأمريكية ستسمح لترامب بأن يذهب بهذا الاتجاه، خاصة وأنه بعد عامين من كل انتخابات، تِجرى انتخابات كونجرس، وهذا يعرقل عمل الإدارات الأمريكية بطبيعة الحال".
ويُجزم البرغوثي بأن "لقاء ترامب بقيادات وزعماء آخرين، سيغير موقفه، وبمعنى أوضح فإن أي صفقة تجارية عربية أو غير عربية، مع المملكة السعودية مثلاً، يمكنها أن تؤثر عليه، فيتراجع عن كل تصريحاته".
ويكمل "هذا كما قلت لأنه رجل أعمال، وليس سياسي، ويتعامل مع كل الأمور بذلك، حتى صفقة القرن، وغيرها كلها كلمات بمصطلحات تجارية لا سياسية، وأنا أجزم بأنه لو التقى أيضًا أسرى إسرائيليين ممن تم الإفراج عنهم بالصفقة، سينقلب، ويصر على استمرار وقف إطلاق النار بغزة حتى النهاية".
ويشدد على أنه "إذا تم تنفيذ بنود صفقة التبادل وتفاهمات وقف إطلاق النار بالكامل، فإن كل الأمور ستذهب باتجاه آخر، لذلك وبالرغم من خطورة تصريحات ترامب، فهي طلقات في الهواء، لا تصيب، ومن المبكر الحكم عليها".
مفاجِئة لكنها ليست قدرًا
من جانبه، يقول المحلل السياسي نهاد أبو غوش: "إن صريحات ترامب كانت مفاجِئة لكل من تابعها حتى في الأوساط الإسرائيلية، لأنها منسجمة مع قادة اليمين المتطرف، الذين لم يحلموا يومًا بهذا الحل، بأن يأتي رئيس يريد شطب تاريخ المنطقة، ويتعامل مع أرض شعب وكأنها عقار".
ويضيف لوكالة "صفا"، "هذا تصريح غريب يماثله في الغرابة حديثه عن مساحة إسرائيل بأنها صغيرة، ويزيد بذلك من أطماعها الاستيطانية لتصل لأجزاء من الأردن وسيناء، ولكن في ذات الوقت هي دعوة لارتكاب جرائم حرب، للاستيلاء على الأرض".
ولكن أبو غوش يستدرك حديثه بالقول: "مزاج ترامب ورغباته ليست قدرًا محتمًا لا على الفلسطينيين ولا العرب، فترامب يتلاعب ويعبث بمصائر الشعوب وقيم القانون الدولي وسيادة كل دولة على أرضها، وكأنّها مسائل يتحكم بها هو، وأيضاً من خلال نشوة القوة وروح الغطرسة التي يتعامل بها مع بنما وكندا والمكسيك والدنمارك وغيرهم، وهي نفسها التي يتعامل بها مع الشرق الأوسط".
ويشدد على أن اقتراح ترامب مخالف لإرادة 140 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية، وهو خيار يريد أن يقطف بالألاعيب، ما فشلت الآلة الإسرائيلية قطفه بالمجازر والقتل والإبادة".
ويرى "أنه من السهل مقاومة هذا الخيار، من خلال تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه، الذي تمسك ودافع عنه طيلة 15 شهرًا وتعرض لأقسى حرب شاهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية".
"كما أنه من السهل مواجهة هذا القرار في حال طبقت الدول العربية والمجتمع الدولي، ما انبثق عن الاجتماعات الأخيرة، ولاسيما الاجتماع السداسي، الذي أكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وما عبرت عنه السعودية أيضا ًمن رفض أي تطبيع وانخراط بأي مساعي من هذا القبيل، وأي تهجير للفلسطينيين"، يقول أبو غوش.
ويجزم بأن ما سبق "يصلح لبناء موقف عربي موحد ومتماسك ومتكامل لمواجهة الخيار، وليس بالضروري بمواقف وخطوات عنيفة".
ولاقت تصريحات ترامب الرامية لتهجير أهل غزة، رفضًا واستنكارًا واسعًا بين الفصائل الفلسطينية كافة، بالإضافة لرفض عربي وإسلامي.
الغزيون الفيصل
وبالرغم من الرفض العربي لخيارات ترامب، إلا أن الغزيين وحدهم سيكونون أصحاب القرار في رفض التهجير، كما يؤكد المختص بالشأن السياسي والاسرائيلي عماد عواد.
ويقول لوكالة "صفا": "دعونا نكون واضحين، فمن الوارد جدًا أن يخرج جزء من الفلسطينيين من غزة، ولكن ما صورة هذا الخروج؟ الإجابة أنه في سياق سفر طبيعي، لأسباب عديدة معيشية بمعظمها، وليس خروجاً جماعيًا بالآلاف كما يحلم ترامب".
ويشدد على أن "بعض الجهات ستعمل على الضغط بملف الإعمار والتضييق على الناس، لكن هذا سيلقى عدم نجاح".
ويشير إلى أنه "لو خرج 500 ألف، هل سيحدثون فارق؟، لا أعتقد ذلك، فهم يبحثون عن هجرة مليوني إنسان".
وإضافة لما سبق، فإنه بالرغم من أهمية الموقف العربي، الذي قد لا يمتلك الإرادة أمام العنجهية الأمريكية، كما هو واضح، لكن الغزيين وحدهم هم من سيفشلوا مخطط تهجيرهم، وسيفعلون".
وطوال 15 شهرًا، حاولت "إسرائيل" بارتكاب حرب إبادة جماعية بغزة بدعم أمريكي، تهجير الفلسطينيين، عبر المجازر والتجويع والنزوح القسري جنوبي القطاع، وهو ما فشل بعودة كافة النازحين من الجنوب لمدينة غزة وشمال القطاع.
وأدت حرب الإبادة بغزة لارتقاء ما يزيد عن 46 ألف شهيد وجرح مئات الآلاف، بالإضافة لما يزيد عن 9 آلاف مفقود تحت الأنقاض.