قال نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، في تقرير صادر عنهما اليوم الاثنين، إن شهادات لا تنتهي تعكس مستوى جرائم التعذيب المستمرة بحق معتقلي غزة في معسكرات وسجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك استنادًا إلى مجموعة من الزيارات التي أُجريت مؤخرًا لـ11 معتقلًا من غزة في معسكرات (سديه تيمان، نفتالي، وعناتوت) وسجن النقب.
وروى المعتقلون مجددًا ما تعرضوا له من عمليات تعذيب وإذلال وتنكيل خلال اعتقالهم من غزة، وفترات التحقيق القاسية.
ونقلت الطواقم القانونية تفاصيل ظروف الزيارة، التي تعكس مستوى الإذلال الذي يتعرض له المعتقلون، لا سيما استمرار تقييدهم من الأطراف، وتحويل حاجاتهم الأساسية إلى أدوات تعذيب وتنكيل، فضلًا عن تعرضهم لنوع من التحقيق يُعرف بتحقيق "الديسكو".
وبحسب إفادة المحامية التي زارت أحد المعتقلين، فقد "أُحضر المعتقل (ي.ف) إلى الزيارة، حيث تعمد الجندي سحبه بطريقة مهينة من سترته التي بدت أكبر من حجمه بكثير، ولم يتمكن المحامي من رؤية وجهه إلا بعد إزالة العصبة عن عينيه، حيث بدا الأسير مستغربًا من الضوء".
وروى المعتقل أنه تعرض لتحقيق "الديسكو" في معسكر (سديه تيمان)، حيث يتم تشغيل الموسيقى الصاخبة بشكل مستمر لمدة يومين. وبعد 30 يومًا، عُقدت له جلسة محاكمة استغرقت خمس دقائق، دون أن يتمكن من فهم تفاصيل الجلسة أو سبب اعتقاله.
وأكد المعتقل (ي.ف) أن ظروف الاعتقال في معسكر (عناتوت) قاسية، حيث يبقى المعتقلون معصوبي الأعين ومكبلين الأيدي طوال الوقت، كما يُمنع عليهم الحديث مع أي معتقل آخر.
أما المعتقل (م.ي)، فلم يكن يدرك مكان احتجازه إلا بعد أن أبلغته المحامية بذلك، بسبب بقائه معصوب الأعين ومكبل الأيدي طوال الوقت. وأفاد بأن معسكر (عناتوت) شديد البرودة، ويُمنع المعتقلون من الحديث، ويجبرون على الجلوس في وضعيتين فقط: إما على الركب أو على المؤخرة طوال ساعات النهار. كما تُستخدم الحاجة لقضاء الحاجة وسيلةً للإذلال، حيث يُعاقب المعتقلون الذين يطلبون الذهاب إلى الحمام بإجبارهم على الجلوس على الركب لفترة طويلة دون فراش، مع رفع البنطال حتى الركبة لتلامس الأرض، وتكبيل أيديهم خلف الرأس.
وعلى صعيد الطعام، فهو قليل جدًا ويقتصر على لقيمات، ويُسمح لهم بالاستحمام مرة واحدة أسبوعيًا، فيما يتم تبديل ملابسهم مرة واحدة شهريًا.
كما يُحرم المعتقلون من الصلاة أو الوضوء، ومن يُضبط وهو يصلي أثناء الجلوس يتعرض للعقاب.
وفي زيارة لأحد المعتقلين في معسكر (سديه تيمان)، أفاد المعتقل (م.م) بأنه تعرض للضرب المبرح خلال عملية اعتقاله، ما تسبب له بكسور في أضلاعه. وبعد مرور ثلاثة أشهر على اعتقاله، لا يزال يعاني من آلام في صدره، ولم يُعرض على أي محاكمة حتى الآن.
وأوضح أن كل 55 أسيرًا يتشاركون ثلاث قطع من المحارم فقط، مؤكدًا أن بعض المعتقلين الذين أُحضروا حديثًا إلى المعسكر تعرضوا للضرب.
وفي سجن النقب، تركزت إفادات الأسرى حول جريمة التجويع وعمليات الإذلال المستمرة، إضافة إلى انتشار مرض الجرب "السكابيوس".
وأفاد أحد المعتقلين بأنهم يبقون في حالة جوع دائم بسبب تلاعب إدارة السجن بمواعيد تقديم الطعام القليل أصلًا. كما أشار بعض المعتقلين إلى أنهم لم يُزودوا بمقصات الأظافر منذ شهرين، ولم تُوفر لهم ماكينات الحلاقة.
وذكّرت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير بأبرز الحقائق حول قضية معتقلي غزة، أنه حتى اليوم، لا يوجد تقدير دقيق لعدد المعتقلين من غزة في سجون ومعسكرات الاحتلال، لكن المعطى الوحيد المتوفر هو ما أعلنته إدارة سجون الاحتلال في يناير الماضي، حيث صنفت (1886) معتقلًا على أنهم "مقاتلون غير شرعيين"، بينهم ثلاث أسيرات محتجزات في سجن (الدامون)، وعشرات الأطفال في سجن (مجدو) ومعسكر (عوفر).
ولا تزال المؤسسات الحقوقية غير قادرة على تحديد عدد حالات الاعتقال من غزة بسبب جريمة الإخفاء القسري التي فرضها الاحتلال على المعتقلين منذ بدء الحرب، ويُقدر عددهم بالآلاف.
واستحدث الاحتلال معسكرات خاصة لاحتجاز معتقلي غزة إلى جانب السجون المركزية، من بينها معسكر (سديه تيمان)، ومعسكر (عناتوت)، ومعسكر داخل سجن (عوفر)، إضافة إلى معسكر (نفتالي)، وقد يكون هناك معسكرات أخرى غير معلن عنها.
وشكّلت شهادات المعتقلين تحولًا بارزًا في كشف مستوى توحش الاحتلال، حيث وثّقت جرائم تعذيب وتنكيل وتجويع، إلى جانب الاعتداءات الطبية الممنهجة، والانتهاكات الجنسية، واستخدام الأسرى كدروع بشرية.
كما شكّل معسكر (سديه تيمان) عنوانًا بارزًا لجرائم التعذيب الممنهجة، بما في ذلك اعتداءات جنسية، وفق شهادات معتقلين أُفرج عنهم.
وأدت هذه الجرائم إلى استشهاد العشرات من المعتقلين، عدا عن عمليات الإعدام الميداني. وأعلنت المؤسسات المختصة عن استشهاد (37) معتقلًا من غزة، من بين (58) أسيرًا استشهدوا منذ بدء الحرب، فيما يواصل الاحتلال إخفاء بقية أسماء الشهداء.
وتواصل سلطات الاحتلال منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة المعتقلين، كما تمنع أي زيارات أخرى لجميع الأسرى والمعتقلين.
ونفذ الاحتلال حملات اعتقال واسعة في شمال غزة، طالت العشرات من الطواقم الطبية، ولا تزال المعلومات عن مصيرهم غير متوفرة، حيث يُعتقد أنهم رهن الإخفاء القسري.
وشدد نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى على ضرورة إنهاء الحصانة الاستثنائية التي منحتها دول الاستعمار القديم لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي جعلتها فوق المساءلة والمحاسبة.