web site counter

مركز الأطراف الصناعية في غزة.. أمل المبتورين وسط الإبادة

غزة - آية صمامة - صفا

على جهازٍ في قسم العلاج الطبيعي بمركز الأطراف الصناعية بمدينة غزة، يقف خميس الفران، متوازنًا على قدمه المتبقية، قبل أن يخطو خطواته الأولى باستخدام الطرف الصناعي الذي تم تركيبه مؤخرًا.

وبابتسامةٍ تخفي الكثير من الألم والإصرار، يتحدث خميس لوكالة "صفا" عن تفاصيل يوم إصابته، إذ كان مارًا في منطقة النفق بمدينة غزة حين باغته قصفٌ عنيف استهدف بركسًا قريبًا منه، ليتحوّل يومه إلى لحظة فارقة في حياته.

خميس، شابٌ في السادسة عشرة من عمره، يحمل في جسده آثار الحرب على غزة، أُصيب بجروحٍ خطرة، وحروق شديدة، وشظايا في رأسه، وفقد ساقه اليمنى رغم محاولات الأطباء على مدار أربعة أشهر لإنقاذها.

ورغم قسوة تجربته وفقدانه والده، وجد خميس أملًا في جلسات العلاج الطبيعي التي بدأها فور تسجيله في مركز الأطراف الصناعية، حيث عمل الأطباء على تقوية عضلاته وتأهيل قدمه لتركيب الطرف الصناعي.

وبعد شهرين من التدريبات، يقف خميس الآن بثقة على طرفه الصناعي، مبتسمًا رغم كل ما مر به، قائلًا: "كانت لحظة فارقة في حياتي، بدأت بالتدريب خطوة بخطوة، والآن أستطيع المشي".

ويُضيف بابتسامة "الحمد لله، الطرف الصناعي ساعدني على المشي، الحياة ليست سهلة، ولكن بالإصرار والجهد يمكنني العودة لحياتي كما كانت".

"استعادة الحياة"

في الغرفة المقابلة حيث يتواجد أخصائيو العلاج الطبيعي، كانت رجاء النادي مستلقية على سريرها، فيما يعمل الأخصائيون على تدريب قدمها بعناية تامة، لمساعدتها على استعادة قدرتها على الحركة والتوازن.

رجاء، التي فقدت قدمها جرّاء قصف طائرات الاحتلال منزلها في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، ما زالت تخضع لجلسات علاج مكثفة لتأهيل قدمها لتركيب طرف صناعي.

ورغم الحزن العميق الذي يملأ قلبها بفقدان ابنتيها، رفضت أن يصبح الكرسي المتحرك رفيقها في الحياة، وبدأت ممارسة التمارين لتحسين قدرتها، وتمكنت من المشي باستخدام العكازات، وأداء الأنشطة اليومية مثل الطهي والخروج لشراء حاجياتها.

رجاء (42 عامًا) عازمة على الاستمرار في تدريباتها بالمركز، وتقول: "الحمد لله، أشعر بتحسن. بدأت أتمرن وأهيئ نفسي للمرحلة المقبلة، وأنتظر دوري في تركيب الطرف".

دور حيوي

ويُواجه مركز الأطراف الصناعية، الذي يضطلع بدور مهم وفعّال، العديد من التحديات، ولاسيما استمرار الاستهداف الإسرائيلي، والحصار الذي يُقيد وصول الموارد الأساسية، إلى جانب ارتفاع أعداد المصابين ومبتوري الأطراف.

ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حصدت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المدمرّة على قطاع غزة، أكثر من 46 ألف فلسطيني، وأصابت أكثر من 110 آلاف آخرين، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألفًا ما زالت جثامينهم تحت الأنقاض.

وتؤكد القائمة بأعمال مدير مركز الأطراف الصناعية التابع لبلدية غزة، نيفين الغصين، الضرورة الملحّة لإعادة تشغيل المركز وأهمية دوره في مساعدة مبتوري الأطراف وذويهم خلال الحرب، خاصةً في ظل الارتفاع الكبير في أعداد المصابين.

وتُوضّح الغصين، لوكالة "صفا"، أن المركز استأنف نشاطه في تاريخ 22 يوليو/ تموز 2024 بعد انقطاع طويل نتيجة الحرب المستمرة، وبترحيب من رئيس بلدية غزة يحيى السراج؛ كاستجابة طارئة لتقديم خدمات الصيانة وتركيب الأطراف، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع.

وتُبيّن أن العديد من رواد المركز،  من أصحاب الأطراف الصناعية المتضررة والتالفة أو غير الملائمة نتيجة للنزوح المستمر والمجاعة، وهي بحاجة ماسة للصيانة، حيث أدى فقدان الوزن إلى اتساع الأطراف، مما يتطلب تعديلها أو إصلاحها، خاصةً لأولئك الذين يلبسون الأطراف منذ أكثر من عام.

وتُشير الغصين إلى أن المركز يُقدّم خدماته مجانًا بدعم من منظمة الصليب الأحمر الدولية، وتشمل تركيب الأطراف الصناعية، وصيانة الأجهزة الطبية والكراسي المتحركة، كما يضم فريقًا من أخصائيي الأطراف الصناعية ومساعديهم.

وتلفت إلى أن المركز يولي اهتمامًا خاصًا بالأطفال، الذين يشكّلون نحو 70% من إجمالي الحالات المستفيدة، ويوفر لهم أجهزة طبية مثل الأحذية، وأجهزة القدم الحنفاء والتقوس، وأجهزة الشلل الدماغي، بالإضافة إلى الكراسي المتحركة للأطفال دون سن 18 عامًا.

وحول الآلية المتبعة لتركيب الأطراف الصناعية، تُوضّح الغصين أن العملية تبدأ بتأهيل الحالات في قسم العلاج الطبيعي لتقييم جاهزيتها، ثم يقوم الأخصائيون بتركيب الطرف في ورشة المركز، بعد ذلك، تُعاد الحالة للتدريب على استخدامه في القسم نفسه، ويتم تسليمه بعد التشطيب النهائي.

تحديات مستمرة

وعلى الرغم من تقديم الخدمات، إلا أن المركز يواجه العديد من التحديات، أبرزها نقص السولار اللازم لتشغيل الأجهزة، بالإضافة إلى الحاجة الماسة لبعض المواد الخام التي لا تتوفر في الأسواق المحلية، وكذلك الغاز المستخدم في بعض العمليات.

وتؤكد الغصين أن فريق المركز يواصل العمل بإصرار رغم الظروف الصعبة، مشددة على أن الهدف الأساسي هو تقديم الدعم للمحتاجين وتحسين جودة حياتهم في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة.

وتبيّن الغصين أن المركز نجح في تركيب 16 طرفًا صناعيًا منذ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعد تأهيل الحالات في قسم العلاج الطبيعي، فيما بلغ عدد الحالات المستفيدة منذ إعادة تشغيل المركز 2000 حالة، منها 400 حالة بتر و50 حالة إصابة في الحبل الشوكي.

وتشير إلى أن المركز يخدم شهريًا ما بين 300 إلى 500 حالة، ويتم تسجيل هذه الحالات مع الصليب الأحمر ووزارة الصحة ضمن برنامج "صحتي" لحصر أعداد مبتوري الأطراف وإصابات الحبل الشوكي في القطاع.

أ ج/أ ص

/ تعليق عبر الفيس بوك