قال مركز الدراسات السياسية والتنموية بغزة إن مواقف القوى السورية من الحرب الإسرائيلية على القطاع تفاوتت بشكل يعكس الانقسامات السياسية والتحالفات الإقليمية التي تحكم المشهد السوري.
وأوضح مركز الدراسات، في ورقة أصدرها يوم الخميس، أنه يهدف إلى استعراض وتحليل مواقف القوى السورية المختلفة من الحرب على غزة، مع تسليط الضوء على دوافع الاتفاق والاختلاف بينها، بناءً على المواقف والتصريحات المعلنة.
أهمية فلسطين عند السوريين
أضاف المركز أن القضية الفلسطينية ظلت محور اهتمام السوريين عبر عقود طويلة نظرًا لارتباطها بالصراع على الأرض والحقوق والهوية، وأن فلسطين بقيت، مع تغير الأنظمة السورية وتبدل توجهاتها الخارجية، رمزا مشتركا يجمع بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، متأثرة بالعوامل التاريخية والجغرافية والسياسية.
ولفت مركز الدراسات إلى أن اندلاع الثورة السورية عام 2011 وتفاقم النزاع الداخلي أدى إلى انشغال السوريين بقضاياهم الوطنية، دون أن تغيب القضية الفلسطينية عن وعيهم العام.
وأشار إلى أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة التي اندلعت إثر عملية "طوفان الأقصى" شكلت منعطفًا جديدًا في الاهتمام السوري، إذ أظهرت مواقف القوى والتنظيمات اختلافًا واضحًا، نتيجة تباين التوجهات السياسية والتحالفات الإقليمية والدولية.
وفيما يلي أبرز القوى السياسية السورية وموقفها من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة:
أولًا: المعارضة السورية
1. الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية
تأسس الائتلاف في نوفمبر 2012 كأبرز مظلة سياسية للمعارضة السورية، ويضم 12 تيارًا يدّعي أنها تمثل مختلف مكونات المجتمع السوري، وتشمل هذه التيارات: حركة "الإخوان المسلمين"، و"مجالس تمثيل المحافظات"، و"المجلس التركماني"، و"المجلس الوطني الكردي"، و"التيار الوطني السوري"، و"تيار المستقبل السوري"، و"المنظمة الآشورية الديمقراطية" (التي تمثل المكون الآشوري)، و"مجلس القبائل والعشائر العربية"، و"المجالس المحلية للشمال السوري"، و"رابطة المستقلين الكرد السوريين"، و"شخصيات مستقلة"، بالإضافة إلى "التمثيل العسكري".
ورغم الاعتراف الدولي به عام 2013 كممثل شرعي للشعب السوري، إلا أن مواقفه الأخيرة من الحرب على غزة عكست حذرًا واضحًا.
أصدر الائتلاف عدة بيانات تدين العدوان الإسرائيلي على غزة، مثل بيانه الصادر في 13 أكتوبر 2023 الذي استنكر قصف المدنيين وتهجيرهم، كما دعا بيان آخر في 19 أكتوبر إلى وقف العدوان ورفض التهجير القسري.
ورغم ذلك، تجنبت بيانات الائتلاف الإشارة إلى عملية "طوفان الأقصى" أو إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مما يعكس تحفظًا سياسيًا نابعًا من أسباب عدة:
- الخلاف مع حماس: تحفظ الائتلاف من قرار حماس استئناف علاقاتها مع النظام السوري، معتبرًا ذلك تناقضًا مع مبادئها الأصلية.
- الخشية من ردود الفعل الدولية: نظرًا لتصنيف حماس كمنظمة إرهابية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تجنب الائتلاف أي مواقف قد تُفسر كدعم لها.
- ضعف التأثير الدولي: مع تراجع الاعتراف الدولي بالمعارضة السورية، يسعى الائتلاف للحفاظ على ما تبقى من دعمه الخارجي.
2. الحكومة السورية المؤقتة في إدلب
على غرار الائتلاف، اكتفت الحكومة المؤقتة ببيان إدانة لمجزرة مستشفى المعمداني، دون الإشارة إلى المقاومة الفلسطينية، وأعلنت الحداد في حينه في مناطق سيطرتها، لكنها لم تتخذ خطوات إضافية لدعم غزة أو تنظيم فعاليات تضامنية.
3. الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة
رغم انخراطها في النزاع السوري بشكل أساسي، فإن مواقفها من العدوان على غزة ظلت غامضة في معظمها، واقتصر تفاعلها على التعبير عن الدعم الشعبي في المناطق التي سيطرت عليها سابقا، مع غياب أي مواقف رسمية واضحة بسبب ارتباطاتها الإقليمية والدولية، لا سيما مع تركيا.
ثانيًا: قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
1. الموقف الرسمي
"قسد" التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا، اعتمدت موقفًا محايدًا خلال الحرب على غزة، وفي تصريح وحيد، عبّرت الرئيسة التنفيذية لإدارة "قسد"، إلهام أحمد، عن تضامنها مع الضحايا من "كلا الطرفين"، معربة عن القلق من توسع دائرة الصراع.
2. تفسير الموقف
- التأثر بالعلاقة مع الولايات المتحدة: تعتمد "قسد" بشكل كبير على الدعم الأميركي، مما يجعل موقفها متماشيًا مع التوجهات الأميركية التي دعمت الكيان الإسرائيلي في الحرب.
- الأولويات الداخلية: تركز "قسد" جهودها على تعزيز سيطرتها الإدارية والعسكرية، مما قلل اهتمامها بالقضايا الخارجية.
- العلاقة مع تركيا: تعارض "قسد" حركة حماس نظرًا لعلاقة الأخيرة مع تركيا، التي تمثل خصمًا رئيسيًا لقسد.
ثالثًا: هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)
1. الموقف الرسمي
على عكس الأطراف الأخرى، أبدت هيئة تحرير الشام دعمًا واضحًا للمقاومة الفلسطينية منذ بداية الحرب، وأصدرت بيانات عدة تؤيد عملية "طوفان الأقصى"، وتدعو إلى دعم الشعب الفلسطيني، كما أدانت جرائم الاحتلال مثل قصف مستشفى المعمداني ومخيم جباليا.
2. الفعاليات الشعبية
نظمت هيئة تحرير الشام حملات تضامن في مناطق سيطرتها، شملت مظاهرات وحملات تبرعات لدعم غزة، مؤكدةً مركزية القضية الفلسطينية في خطابها.
3. تجاوز الخلافات مع حماس
رغم استياء الهيئة من قرار حماس استئناف علاقاتها مع النظام السوري، إلا أن مواقفها الأخيرة أظهرت قدرة على تجاوز الخلافات، نظرًا للمرجعية الإسلامية المشتركة التي تجمع الطرفين.
رابعًا: تنظيمات أخرى ذات تأثير محدود
1. فيلق الشام
أظهر دعمه الرمزي للقضية الفلسطينية، لكنه ظل مرتبطًا بتحالفاته مع تركيا، مما حدّ من قدرته على تبني مواقف مستقلة.
2. حركة أحرار الشام
رغم تراجع نفوذها، تبنت موقفًا داعمًا للمقاومة الفلسطينية، استنادًا إلى مرجعيتها الإسلامية.
3. الجبهة الشامية وجيش العزة
اقتصر دور هذه الفصائل على التعبير عن التضامن الشعبي دون اتخاذ مواقف رسمية بسبب ضغوط التحالفات الخارجية.
الخلاصة
خلص مركز الدراسات إلى أن المعارضة السورية السياسية أظهرت مواقف حذرة، متأثرة بالخلافات مع حماس وخوفها من فقدان الدعم الدولي، بينما تبنت "قسد" الحياد التام، متأثرة بعلاقتها بالولايات المتحدة وأولوياتها الداخلية، ومن جهتها أظهرت هيئة تحرير الشام دعمًا صريحًا للمقاومة، متجاوزة الخلافات السابقة مع حماس، مستندةً إلى خطاب أيديولوجي جامع.
التوصيات
وعلى ضوء ما سبق، أوصى مركز الدراسات بتعزيز الحوار وبناء قنوات اتصال بين القوى السورية والفلسطينية لتجاوز الخلافات السياسية وتعزيز التعاون.
وأشار إلى أهمية تفعيل الدعم الشعبي عن طريق تنظيم فعاليات شعبية ومبادرات مشتركة تعكس التضامن الإنساني بين الشعبين.
ولفت المركز إلى ضرورة دعم الحملات الإعلامية السورية التي تبرز أهمية القضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية.
وحث على توحيد الجهود، وذلك بتعزيز الشراكة بين القوى الشعبية والتنظيمات السورية الداعمة للمقاومة لتحقيق تأثير أكبر.
ونبّه مركز الدراسات السياسية والتنموية بالتوصية على الدعم المتبادل، بمعنى أن تقدم القوى الفلسطينية الدعم السياسي والإعلامي للشعب السوري في قضاياه الوطنية.