يعيش الغزيون المنكوبون بفعل الإبادة الإسرائيلية المستمرة عليهم منذ أكثر من عام مع "دخلاء منبوذون" استقدمتهم بكثرة هذه الحرب، وهم الفئران الذين يتسببون بمكاره صحية تفاقم الأوضاع المأساوية التي يعيشها أهل قطاع غزة، ولاسيما في المناطق المدمرة.
وتحت أحد الأبراج المدمرة بالكامل في مدينة حمد شمالي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، تقيم عائلة أبو يوسف الدالي، أحد أصحاب شقق البرج، تحت أول سقف منهار بشكل معوّج، متخذين منه مأوى، بديلاً عن الخيمة التي تركوها في عراء مواصي خانيونس قبل شهرين.
فزع واشمئزاز
ولكن الفئران المعروفة بأنها من "الدواب الفواسق الخمس"، لشدة خطورتها، انتشرت بشكل كبير في المكان، وباتت كل ليلة تقفز من فوق أجساد أطفال "أبو يوسف"، مسببة لهم الفزع والاشمئزاز.
ويقول "أبو يوسف" لوكالة "صفا": "نزحنا حتى شبعنا، وأخيرًا هدموا برجنا في آخر هجمة على المدينة، لكننا مع حرقة قلوبنا رفضنا حينما خرج جيش الاحتلال، أن نترك المدينة أو نبقى في المواصي".
ويشير لمكان إقامته "هنا تحت ركام البرج في مساحة مفتوحة، أقمنا فيها بعدما أزلت الركام، ولكننا تفاجأنا بالفئران والعناكب وأنواع عديدة من الدود".
وبحال الرضا على ما أصابه من مصائب الحرب، يصيح "قبلنا نعيش بوجود كل هذه المكاره، إلا الفئران، فهي مسعورة وعددها كبير، وتنهش أي شيء تجده، حتى طعامنا شاركتنا فيه".
ويتردد بين أصحاب البيوت المدمرة والمناطق المنكوبة، من أعداد القوارض، حديثًا بأن جيش الاحتلال هو من استجلب هذه القوارض معه، ونشرها في المناطق التي اقتحمها، وهي شهادات لمواطنين، لكنها لم تؤكد من أي جهة صحية أو بيئية بغزة.
ومن المعروف أن القوارض تسبب العديد من الأمراض، فهي تحمل بكتيريا السالمونيلا في الجهاز الهضمي الخاص بها، والتي تنتقل إلى الإنسان عن طريق ملاسمة المكان الذي يحتوي على روث الفئران المصابة، ومن أعراضها القشعريرة وارتفاع درجة حرارة الجسم.
كما يمكن أن تسبب القوارض مرض الطاعون بحال تناول الإنسان طعامًا أتت عليه مسبقًا.
استجلبها الاحتلال
ويقول مجد منصور لوكالة "صفا": "الفئران منتشرة بشكل جنوني في الشقق وبين الأبراج المهدمة، وهي لم تكن موجودة أبدًا في المدينة قبل العدوان عليها".
ويضيف "سمعنا في حمد وفي مناطق أخرى دخلها الجيش، بأنه تعمد كبُّ صناديق مليئة بالفئران، تمامًا كما ينشر كلابه وقنابله، المهم أن يؤذونا".
ويساعد القوارض على التكاثر في المناطق المنكوبة بالقطاع، كثرة الركام وتراكم النفايات في المدن والأماكن السكانية ومراكز الإيواء، والتي أصبحت تشكل مكاره صحية خطيرة.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن القطاع يجتاحه العديد من الأمراض والأوبئة بشكل متواصل ومرتفع، وحذرت مرارًا من خطر انتشار المزيد من الأمراض بسبب عوامل عدة، تشمل الاكتظاظ ونقص المياه والصرف الصحي وتعطل خدمات الرعاية الصحية الروتينية وتعثر النظام الصحي.
وحذرت وزارة الصحة بغزة مرارًا من ظهور أوبئة خطيرة، نتيجة النفايات والروائح الكريهة نتيجة تحلل الحيوانات وغيرها، وانعدام مصادر النظافة والمياه النظيفة بسبب العدوان على غزة.
وفي الشهرين الماضيين تلقى عدد بسيط من الأطفال بغزة، بمعدل لا يتجاوز 5%، لقاحات عبر منظمة الصحة العالمية، بفعل العدوان المتواصل على القطاع.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فقد جرى الإبلاغ عن حالات متفرقة من الحصبة والنكاف، وعن أكثر من 600 ألف حالة من التهابات الجهاز التنفسي العلوي، والعديد من حالات التهاب السحايا والتهاب الكبد والطفح الجلدي والجرب والقمل وجدري الماء.
واستشهد منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 45206 مواطنًا، فيما وصل عدد المصابين إلى 107512، كما أن 72% من الضحايا هم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة، بالإضافة لأكثر من عشرة آلاف مفقود تحت الأنقاض، وهو ما يشكل لوحده كارثة على كافة المستويات، حسبما حذرت وزارة الصحة بغزة.