web site counter

تروي مأساة حرب الإبادة

"فقط في غزة".. مجموعة قصصية تمزج الواقع بالخيال

غزة- مدلين خلة - صفا
سرٌ أباحت به، وتركت له العنان ليخرج للعلن، كي تُخبر العالم أن لا شيء أصعب على الكاتب سوى كتابٌ يذكره بمأساة عايشها وأبناء شعبه، انجازٌ طبع عليه اسمك كلما نظرت له تذكرت أهوال الحرب الإسرائيلية، التي تتمنى أن تُمحى من ذاكرتك لتنجو من عذابات تلك المشاهد.
كتابات نسجت الواقع بالخيال، فأنتجت قصصًا تُروى بلسان الناجي من مجزرة كان هدفها مدنيين التحفو بيتهم ورفضوا الخروج منه، طفل رضيع لم يعرف من الدنيا سوى أنه ولد في غزة وسيكبر دون أبٍ وأم، أمٌ رهنت حياتها لشبابٍ خرجوا لجلب قوت يومهم فعادوا أشلاء مقطعة.
حكاياتٌ خطتها الكاتبة على لسان أصحابها دون أن تشير إليهم بالبنان، تلك القصة تكررت فصولها بعذابات أشد، وفي كل فصل ومرة كان الفقد والألم يأكل جنبات الكاتبة، كونها الشاهدة على المذبحة.
معاناة وأوجاع
"فقط في غزة".. كتابٌ جمع قصصًا من غزة، لكن فصوله كتبت ولأول مرة خارج حدود المدينة التي احتلت العنوان واستوطنت حكاياها معاناة وأوجاع قاطني تلك المدينة في حرب الإبادة.
عاشت الكاتبة فصول النزوح وويلات توفير الأمن والطعام لعائلتها، وكثير من الأوقات كانت تستوقفها العديد من الأحداث التي لم تستطع توثيقها لانعدام الوسائل المطلوبة لذلك.
كان التوجه إلى مصر طوق النجاة، ومحطات مخاض "فقط في غزة"، فهي التي عكفت على توثيق حكايا وقصص انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تلك التي عايشتها خلال فترة نزوحها، عدا عن تلك التي يعيشها أحباؤها وذويها ممن تركتهم خلفها يخوضون حرب البقاء.
"جربت عدة مرات الكتابة أثناء الحرب، لكن الظروف المعيشية وحياة النزوح حالت دون ذلك، فكان الوصول إلى جمهورية مصر العربية ميلاد المجموعة القصصية (فقط في غزة). تحكي الكاتبة رشا فرحات
تقول الكاتبة فرحات، في حديثها لوكالة "صفا": "في مصر بدأت أتابع القصص وتفاصيل المأساة الحقيقية، لكني لا إراديًا أصبحت أكتب، كوني شعرت أني أمام واجبٍ وطني يجب تأديته، بهدف توثيق ضحايا حرب الإبادة".
وتضيف "فقط في غزة كان العنوان أمرٌ مختلف عليّ، لأني بدأت الكتابة ولم أستطع أن أنتهي، لأن الحكاية ذاتها لم تنته بعد، والإبادة مستمرة".
وتتابع "هذه المجموعة القصصية تختلف عما كتبت من قبل، لأنها كتبت نفسها بنفسها، فضلًا عن كونها الأطول مقارنة بسابقاتها، فهي الوحيدة التي كتبت بـ 200صفحة، وجمعت بكنفها 26 قصة".
"كان هناك عدة عناوين، لكني فضلت هذا العنوان، لأن القصص كانت بشعة للدرجة التي أخبرت فيها مدير دار النشر خلال حوارنا أن هذه لا تحدث إلا في غزة، ومن هنا تناقشنا حول الجملة واقتبسنا العنوان منها"، وفق فرحات.
قصص مأساوية
مخاضٌ سريع، كونها المجموعة التي استغرق ميلادها وخروجها للنور مدة وجيزة تُعتبر الأقصر مقارنة بمجموعاتي السابقة، تقول فرحات، "استغرقت شهرًا فقط لإنهاء المجموعة القصصية، وذلك يعود إلى تسارع الأحداث وكثرة القصص، لأن هذه المجموعة لم أكتبها، لقد كتبت نفسها بنفسها".
ولم تواجه فرحات صعوبات لا في الكتابة ولا في النشر، سوى هذا الثقل الذي كانت تشعر به.
تضيف "خرجتُ من غزة بعد 6 أشهر من الحرب والتشرد والضياع الذهني، وهذا كان مؤثر جدًا على الكتابة".
وتردف "بدأت الكتابة كنوع من التفريغ، نظرًا لسوء حالتي النفسية، وبناءً على نصيحة طبيب معالج، وإذا بي أخرج في مجموعة قصصية مليئة بالوجع على كل حال، أنا لا أخطط للكتب التي أنشرها، أشعر أنها نتاج مواقف شعرتُ بها ودونتها ثم انتهت حتى أصبحت مجموعة كاملة".
وعن وجع الكتابة وتأثيرها على الكاتبة، تقول فرحات: "مجموعتي هذه مليئة بالذكريات الموجعة، التي أريد أن أمحيها من عقلي، وحتى الآن قرأتها في مراحل المعالجة أكثر من مرة، وكنت أقف عند كل قصة وأعود إلى الخلف، وأبكي، وأشعر أنني أعود إلى قلب المعركة، والأسى".
وتكمل "كنت دائمًا أحب اللحظات التي أنشر فيها كتابًا جديدًا، لكن حين تسلمتُ النسخة الأولى وحدي دون مشاركة زوجي أو أصدقائي كنت أشعر أنني في المنتصف، لا هو فرح ولا حزن، شيء ما أحمله في يدي شاهد على مأساتي ومأساة شعبي، لا أستطيع أن أحب كل هذا الأسى الذي كتبته".
وتشير إلى أن من سيقرأ مجموعتها لن يصدق التفاصيل من هولها، كونها وثقت قصصًا لأشخاص تعرفهم عن قرب، وأخرى تابعت تفاصيل حكاياتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي ودونتها.
وتتمنى فرحات أن تُترجم مجموعتها، كي يصل صوت غزة إلى أبعد من العالم العربي.
وترى أن مهمتها تكمن في محاولتها جاهدة نقل حكايا غزة للعالم دون أن تتأكد من أنها ستؤثر فيهم وتُغير من ردة فعلهم تجاهها.
ر ش

/ تعليق عبر الفيس بوك