أصدر مركز الدراسات السياسية والتنموية في غزة "ورقة حقائق" تتناول أزمة فائض الشيكل في البنوك الفلسطينية، وما يترتب عليها من تحدٍ اقتصادي معقد، في ظل سياسات إسرائيلية تُقيّد تحويل الأموال إلى "بنك إسرائيل"؛ ما يثقل القطاع المصرفي الفلسطيني ويعيق التنمية الاقتصادية.
وقال المركز، في ورقة الحقائق التي جاءت بعنوان: "فائض الشيكل في البنوك الفلسطينية: الأسباب والتداعيات والحلول"، إن "تراكم الشيكل المتداول في السوق الفلسطينية بات مشكلة مستمرة، تتفاقم بفعل القيود الإسرائيلية المفروضة على تحويل هذه الأموال إلى بنك إسرائيل".
ماذا يقول بروتوكول باريس؟
ونصت المادة (27) من بروتوكول باريس الاقتصادي وهو الإطار الناظم للعلاقات الاقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي والموقع عام 1994 بأنه "يحق لسلطة النقد الفلسطينية تحويل الشواكل الفائضة في البنوك العاملة بالمناطق الفلسطينية إلى (بنك إسرائيل) لاستبدالها بعملات أجنبية"، غير أن هذه المادة قيدتها المادة (16) التي تشترط تحديد المبلغ المحول من خلال اتفاق اللجنة الاقتصادية المشتركة، التي تعطلت أعمالها منذ انتفاضة الأقصى عام 2000.
ثغرات البروتوكول
وأوضح المركز أن هذه البنود الورادة في بروتوكول باريس الاقتصادي تستخدم "كأداة ضغط سياسي" حيث تلجأ حكومة الاحتلال إلى تعطيل عمليات التحويل كوسيلة ابتزاز سياسي.
وأشار إلى أن بنود البروتوكول قيدت التدفقات النقدية، حيث يتدخل "بنك إسرائيل" في تحديدها، مما يعطل التعاملات الاقتصادية خارج السوق الرسمي.
وأضاف" أن عدم تحديث الاتفاقية لم يراعِ النمو الاقتصادي الفلسطيني، بحيث مازلنا نرى أن مشكلة تكدس الفائض رغم انخفاض العمالة الفلسطينية في داخل الأرض المحتلة عام 1948، التي كانت تضخ حوالي 18 مليار شيكل سنويًا، ما زالت مشكلة قائمة".
أسباب مشكلة الفائض النقدي
وفقًا لسلطة النقد الفلسطينية، يُعرّف فائض الشيكل بأنه الكميات التي تتجاوز 6% من إجمالي الودائع، وفي عام 2024، بلغ حجم الشيكل المتداول في السوق الفلسطينية 57 مليار شيكل، وهو رقم كبير ناجم عن عدة عوامل كان اولها العمالة الفلسطينية في الداخل المحتل حيث يتقاضى العمال أجورهم نقدًا.
وأشار إلى أن التجارة بين السوقين الفلسطيني والإسرائيلي وخصوصًا المشتريات في القدس والداخل المحتل أحد هذه الأسباب، عدا عن التجارة غير الرسمية التي تتم بعيدًا عن الأنظمة البنكية الرسمية.
تداعيات الفائض النقدي
ورغم الفائض الكبير من الشيكل في البنوك، يعاني القطاع المصرفي من زيادة تكاليف التخزين بحيث تتحمل البنوك الفلسطينية تكاليف إضافية لتأمين ونقل الأموال المتكدسة.
وذكرت الورقة أن تقييد السيولة يؤدي إلى صعوبة تحويل الأموال إلى "بنك إسرائيل" وذلك يحد من قدرة البنوك على الإقراض والاستثمار.
وأضاف المركز أن ذلك يؤدي لزيادة مخاطر الجرائم المالية ما يؤدي إلى تفاقم خطر غسل الأموال والتهرب الضريبي بسبب حجم النقد غير القابل للتتبع، ما يضعف نزاهة النظام المالي.
وتابع "كما يؤدي إلى ضعف الكفاءة الاقتصادية وبالتالي عدم قدرة سلطة النقد الفلسطينية على تنفيذ سياسات نقدية فعالة للتحكم في التضخم أو أسعار الفائدة، مما يضعف ثقة المستثمرين ويعرقل النمو".
خلاصة
ويمثل فائض الشيكل في البنوك الفلسطينية مشكلة مركبة ذات أبعاد سياسية واقتصادية عميقة، تتطلب حلولًا شاملة تعتمد على الضغط السياسي، التوجه نحو الرقمنة، وتنويع أدوات السياسة النقدية، وفق الورقة.
وأكد المركز أن تحقيق الحلول يتطلب تعاونًا بين السلطة الفلسطينية، والقطاع الخاص، والمجتمع الدولي لضمان استقرار النظام المالي الفلسطيني وتنميته، بل وتحركات إعلامية للكشف عن دور الاحتلال في خلق الأزمة النقدية والاقتصادية.
التوصيات
وأوصى المركز بالضغط الدولي وتفعيل أدوات القانون الدولي لإلزام حكومة الاحتلال بقبول تحويل فائض الشيكل وتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية لرفع القيود الإسرائيلية المفروضة على التحويلات النقدية.
ولفت إلى ضرورة تشجييع التحول إلى الاقتصاد الرقمي بتعزيز المدفوعات الإلكترونية والمحافظ الرقمية للحد من الاعتماد على النقد الورقي.
وأشار المركز إلى ضرورة إطلاق عملة رقمية فلسطينية بحيث يمكن أن تكون هذه خطوة لتعزيز السيطرة النقدية وتقليل التكدس.
وحث على إطلاق حملة إعلامية للكشف من خلالها عن دور الاحتلال الإسرائيلي في التسبب في الإشكاليات النقدية والاقتصادية من خلال رفض قبول تحويل فائض الشيكل لدى البنوك الفلسطينية، وما يفرضه من قيود على التحويلات النقدية.
وشدد على توعية الجمهور الفلسطيني وتعريفهم بالبدائل المتاحة للدفع النقدي، ومن بينها الدفع الالكتروني، والمحافظ الرقمية.
كما وأوصى بتنويع العملات المتداولة وذلك بالتفكير في اعتماد الدينار الأردني أو الدولار الأمريكي كبديل للشيكل لتقليل الاعتماد عليه، ودمج الاقتصاد غير الرسمي بتشجيع الشركات الصغيرة والعاملين غير الرسميين على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي من خلال حوافز ضريبية وقروض ميسرة.