web site counter

"محمد خميس".."عكاز" والده الذي تركه وحيدًا يبكي فراقه

غزة- مدلين خلة - صفا
"صحينا ملقناش خميس، رحنا نشوف وينه لقيناه نايم على قبر ابنه الوحيد الذي فقده قبل يومين".
خبر لم يتهيأ الأب لسماعه يومًا، فهو الذي حاوطه بذراعيه وعينيه ليحميه من نسمة الهواء الباردة التي تلفح وجهه في صباح يوم من أيام نوفمبر الباردة، كرّس حياتُه لأجله، ليكون عكازته على حافة الزمان.
كان الأب مكلوم على فراق وحيده، الذي رُزق به بعد سنوات عجاف، يسير جنبًا إلى جنب وثمرة صبره التي ملأت عليه الدنيا، لم يتركه لحظة يمضي في مركب إلا وكان حارسًا له يدفع عنه شرور الطريق، حتى يُوصله إلى بر الأمان.
"نزحنا إلى غزة، بعد أوامر جيش الاحتلال بإخلاء المنطقة، خوفًا من (لوح الزينكو) يكون غطاء محمد ويتركنا ويروح".
لوعة الفراق
وبحرقة قلبه على فراق وحيده، يقول الأب لوكالة "صفا": "كان محمد عن عشرة أولاد، حنون طيب مؤدب خلوق، كان يخاف على أمه من نسمة الهواء الطايرة، ما كان ابنها كان لها الدنيا كلها".
يضيف "خلال الحرب ما غاب عن ذهني وذهن أم محمد، شعور بيوم يطلع من البيت وما يرجع على رجليه، فأخذنا قرار بكل طريق يروح عليها يكون واحد منا معه، ليحميه من رصاصة طايشة او صاروخ غادر".
تسلل الحزن والدموع على وجنتي الأب، وابتلعت الصدمة لسانه واكتفت تعابير وجهه بالحديث عن ألم استوطن قلبه وأبدل جمال أيامه لسواد ليلٍ لن تبزغ شمسه مجددًا، فقد سكنت عالم آخر انفرد به لنفسه وتركه بدون عكازة يسير وحيدًا دون أنيس.
"ذهبت أنا ومحمد لتفقد المنزل، وهو يحكي لي انتبه يابا الكواد كابتر بتطخ في كل مكان، امشي جنبي بلاش يصير شي".
ويتابع "بعدما خلصنا وقررنا الرجوع إلى حي النصر كانت أمه تنتظر رجعتنا، واتصلت علينا أكثر من خمس مرات تسأل محمد منيح صار معه شيء، مطولين لترجعوا، وقتها أصر محمد على أن يتفقد سماء الحارة وخُلوها من طائرات الكواد كابتر".
"أي الخوفين كان الأشد، خوف الأب على وحيده، أم الابن على والده، هل خانت العكازة صاحبها وتركته بلا رجعه، ليعيش ما تبقى له من حياته أبتر دون عكازته؟". 
صدمة كبيرة
لحظات كانت أحد من سيف غرز في قلب الأب عند سماعه صوت انفجار هزّ مكان تواجده، لم يعي شيئًا سوى ركضه كفهد يبحث عن وحيده يرفض أي فكرة تتسلل لذاكرته، يُقاوم زخات الشظايا التي بدأت تنهار فوق رأسه، لم يكن واعيًا لها وخطورتها، جُل اهتمامه منصبًا على النأي بمحمد بعيدًا عن هذا الركام.
الصدمة هنا كبيرة لن يخذل محمد وعده ويترك والده يبكي آخر لحظاته معه، وخوفه عليه.
"محمد خميس مستشهد ولكو هاد محمد احملوه يا شباب، ربنا يصبر أبوه ويكون بعون أمه"، صرخات كانت أقرب لأذن الأب منه لوحيده، يُكذب ما تسمعه أذنه، فمحمد لن يتركه ويذهب.
هذا محمد بابتسامته المعهودة جمال وجهه ازداد نورًا، حتى ثيابه لم تتغبر بفعل البرميل المتفجر الذي أُلقي على أحد منازل العائلة، والذي حوّل المنطقة إلى كومة رماد ابتلعت معها عدد من الشهداء ونفضت أعداد من المصابين دون أطباء تُعالج جراحهم.
جراحٌ سيكتب لها الشفاء مع طول الأمد، أما ذلك الأب الذي جلس بجانب جثمان وحيده يُحاكي نفسه ويلومها على السماح له بالخروج من المنزل، ماذا سيقول لوالدته التي تنتظر عودتهم، كيف سيتحمل رؤية وجهها التي احتضنت الخوف على وحيدهم منذ ست سنوات، دون أن تظفر بشيءٍ من صلبه؟. 
يصف نجله قائلًا: "طول عمره مهندم ومرتب، ظله كان خفيف على الكل، وين ما تسأل عن محمد خميس راح تلاقي طيب الجواب، عاش خفيف ومات خفيف".
"كان محمد يُؤمن بحتمية الرحيل، فكان يقول: والله يبوي حتى لو بحضنك سيأتي يوم وما أكون موجود، عشان هيك بدك تكون قوي وتساند أمي".
ذهب محمد وترك خلفه أب وأم وزوجة يبكون طيب الخلق، أبقى خلفه سيرة عطرة يترحم عليه كل من يتذكره.
ر ش

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام