web site counter

كيف أثرت "طوفان الأقصى" على جبهة الضفة؟

رام الله - خـاص صفا

 سنةٌ كاملة مرت على بدء معركة طوفان الأقصى من قطاع غزة لتمتد إلى الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، وإلى جبهات إقليمية وعربية ودولية أخرى.
 
ورغم ارتكاز "الطوفان" على الجبهة الرئيسية في القطاع بشكل أساسي؛ إلا أن الجبهات الأخرى مشتعلة هي الأخرى، إذ تركزت في شمال الضفة وجنوب لبنان.
 
ومع تنامي حالة المقاومة واتساعها في عدد من محافظات الضفة، فقد أحدث الطوفان انعكاسات وآثارٍ جوهرية، بعضها ذات أبعاد استراتيجية تزايدت في عدة شهور، ولم تكن لتتطور في عدة سنوات.

ويرى مراقبون ومختصون في الشأن السياسي أن ذاك "الطوفان"، أحدث تحولات كبيرة على ساحة الضفة المحتلة، كتصاعد أعمال المقاومة المسلحة بتشكيلات أجنحة عسكرية، وإعادة مفهوم الروح الوطنية وتوجيه الوعي الجمعي نحو التحرر والاستقلال.

ويقول الكاتب السياسي محمد القيق لـ"صفا" إن طوفان الأقصى كان بمثابة العملية المعنوية التي لم يكن حدودها قطاع غزة ولا الغلاف، رغم أن التخطيط والإعداد انطلقا من هناك، لكنه حمل أهدافًا استراتيجية لا زالت تضرب في الضفة والقدس وعبرت الحدود ليكون إقليميًا.
 
ويضيف القيق أن الطوفان أعاد الهيبة للقضية الفلسطينية، مقارنة بمرحلة ما قبل السابع من أكتوبر، وتحديدا بالنظر إلى واقع الضفة وما يجري فيها من تنسيق أمني و"ترويض" للمواطنين، وفرض واقع اقتصادي مرتبط بالمصارف والعمل في الداخل المحتل، مشيرًا إلى أن الطوفان أسهم في تقريب الحراك في الضفة ضد الاحتلال، بعد أن اعتقد الكثير ب-"نجاح" الاحتلال في ترويضها.
 
ويرى القيق أن الطوفان أسهم في كسر حالة الردع، وهو السلاح الأهم لدى "إسرائيل"، وهذا كان له الأثر الكبير في فكرة مقدرة الضفة على التحرك.
 
ويتابع "حجم الفاتورة في غزة كبير جدا من الشهداء والجرحى والدمار، شكّل تطورًا كبيرًا انعكس على الضفة".
 
ويقول: "واكبنا انتفاضة السكاكين والعمل الفردي، وكل ذلك كان محصورًا ضمن فئة ة، بينما يشهد اليوم حالة انخراط مجتمعية كبيرة، بات الكثير يدفع فيها فاتورة هجوم الاحتلال على المدن والمخيمات والقرى وهجوم المستوطنين والاعتقالات وتجويع الأسرى، مؤكدا أن كل ذلك ساهم في تغيير ملامح الضفة عما أريد لها".

ويتطرق إلى أن محاولات تغيير ملامح الإنسان الفلسطيني واستبداله ب"الفلسطيني المسالم" خصوصًا على فئة الشباب، إلا أن الطوفان استطاع قلب المعادلة نحو الصمود والتضحية، وصار باستطاعة الفلسطيني في الضفة الانخراط بقوة في الدفاع عن نفسه وأرضه.
 
ويلفت الكاتب إلى أن الطوفان أعاد تشكيل الوعي الجمعي الفلسطيني نحو التحرر والدولة المستقلة، بعكس ما يحاول الاحتلال إشاعة أن المقاومة تسببت بتدمير القضية".
 
ويقول: "باتت دول وكيانات عالمية تعترف بالدولة الفلسطينية بصورة رسمية، وبات الكل يخرج إلى الشوارع وفي الجامعات، وبات العالم يدرك أن حل القضية يتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة".
 
وبالنظر إلى واقع الضفة والاقتحامات المتصاعدة، يشدد القيق على أن الحاضنة الشعبية للمقاومة في ازدياد، ورغم التنسيق الأمني ومحاولات تشويه صورة المقاومة، إلا أن جمهور الضفة شكل حاضنة غير مسبوقة بالنظر إلى الدمار الذي خلفه الاحتلال في مدن شمال الضفة كجنين وطولكرم وطوباس.

ويشدد القيق على أن "الطوفان" حطم حواجز لو أرادت الضفة تحطيمها لاحتاجت سنوات عديدة.
 
بدوره، يقول الباحث بمركز "يبوس" للدراسات الإستراتيجية سليمان بشارات إن "إعادة مفهوم الروح الوطنية والمواجهة للوعي الفلسطيني بشكل كامل ليس فقط في الضفة؛ بمعنى أنه ما جرى في السابع من أكتوبر، أعاد عملية إحياء مفهوم المواجهة والقدرة على مباغتة الاحتلال والقدرة على كسر المعايير التي حاول الاحتلال على مدى عقود أن يرسخها".
 
ويوضح بشارات في حديث لـ"صفا" أنه ترسخ في ذهن البعض أن الفلسطيني لا يستطيع مباغتة الاحتلال ولا مهاجمته، ويتلقى الضربات لا أن يكون هو المبادر، وبناء على ذلك الزعم؛ يمكن لحالة الوعي الفلسطيني في الضفة أن تدخل في إعادة تشكيل المواجهة في المستقبل، وهذا ما بدأ يظهر فعليا بعد الشهور الأولى العدوان، في عمليات تطور وتشكل المجموعات المسلحة في الضفة.
 
 وبحسب بشارات، فإن مستوى القاعدة الجماهيرية والحاضنة الشعبية وما جرى بعد السابع من أكتوبر وصمود المواطن في غزة، عزز من القاعدة الشعبية في الضفة وبدأت تقارن أن أي ثمن يدفع من الحاضنة الشعبية في الضفة يبقى قليلاً مقارنة بما تدفعه الحاضنة في غزة، وهذا يعزز مفاهيم الصمود ومفاهيم دعم المقاومة.
 
ويضيف "لاحظنا كيف أن الاحتلال حاول استخدام عمليات التدمير الممنهج في الضفة وفي المخيمات، وهو يحاول رسم صورة ذهنية للمواطن في الضفة بأن ما يجري في القطاع قد ينتقل إلى الضفة في التنكيل والتدمير.
 
ويفسر أسلوب انتقال عمليات المقاومة في الضفة التي كانت غالبا في حالة الدفاع أكثر منها في حالة الهجوم أثناء الاقتحامات، فقد شهدت تحول نوعي بعد السابع من أكتوبر، وأصبح هناك حالة خروج للشوارع الالتفافية والمستوطنات والداخل الإسرائيلي، الأمر الذي تحول إلى نوع من إعادة استراتيجية المواجهة في الضفة باتجاه الاحتلال.
 
ويبرهن بشارات في حديثه إلى تحول نوعي في الضفة من خلال حالة الدافعية التي بدأت تتشكل، وتعيد استخدام أدوات وأساليب للمقاومة كانت في سنوات الانتفاضتين الأولى والثانية، وما حدث في عمليات السيارات المفخخة ومثيلتها الاستشهادية.
 
ويتطرق الباحث إلى مستوى الحالة النفسية والمجتمعية؛ إذ بات هناك حالة من التمسك أكثر بالوحدة الوطنية ما بين الضفة وغزة، من خلال حالات التضامن الشعبي مثل مقاطعة البضائع والتغني بالمقاومة، وانعكاس ما يجري في القطاع على التفاصيل اليومية للإنسان الفلسطيني في الضفة، كالمناسبات الاجتماعية والشعور التعاطفي مع غزة.
 
وفيما يتعلق بالبعد السياسي، يبين بشارات أنه وعلى الرغم من تجذر الانقسام وممارسات الاحتلال التي عملت على عزل الضفة، يبدو أن هناك ارتفاع في حالة النقاش السياسي بجدوى الوسائل في التعامل والتعاطي مع الاحتلال، إذ بدأت هناك أصوات ترتفع بالعودة إلى الحالة النضالية وحالة المقاومة المسلحة.
 
أما المحلل السياسي نجيب مفارجة فيقول "إن الاحتلال وفي ردة فعله على طوفان الأقصى تجاوز حدود العقل البشري.

ويرى مفارجة أن ما جرى في غزة وطوفانها لا يمكن عزله عن مجريات الأحداث في الضفة، إذ إن الشعب يحمل جميع القواسم المشتركة وذات المصير، وأن كل الانقسامات التي حصلت كانت بفعل الاحتلال.
 
ويشير إلى أن الهجوم على قطاع غزة، وتداعي الضفة لمساندتها، تعود بالذاكرة إلى ما قبل العدوان، وكيف أن غزة كانت نصيرا دائما للضفة والقدس وتتحمل وتدفع الثمن الكبير، فكان لزاما على الضفة سد جزء من ذلك الجميل.
 
ويتطرق مفارجة إلى أن الضفة مرت بظروف موضوعية لسنوات طويلة، رهن فيه الفلسطيني لسياسية السلام الاقتصادي، عدا عن التطبيع والتطويع وكي الوعي، إلا أن طوفان الأقصى جعل الشعب ينحاز إلى نفسه ومقدساته.
 
ووفق نظرة المحلل، فإن دافعًا آخر منح الضفة الانخراط في مساندة غزة، وهو محاولات محاكاة المقاومة في الضفة لنظيرتها في غزة، مثل رجوع الفصائل لامتطاء جواد المقاومة، بعدما كانت غالبية العمليات فردية، وعودة الأجنحة العسكرية المنظمة للعمل، والكمائن المحكمة والمصورة والعبوات الناسفة ومقذوفات الكتف.
 
ويتابع "ظهرت مهارات فنية وتكتيكية استطاعت كسب جولات كثيرة مع المحتل، وجولات أمنية وحرب المعلومة والاستنزاف، كان آخرها عملية "المخيمات الصيفية"، واستطاعت المقاومة نقل المعركة إلى الجنوب وتنفيذ ثلاثة عمليات موجعة.

 ويقول مفارجه إن "الضفة ستواجه مصيرا أشد حتى بعد انتهاء العدوان على غزة، وسيبقى مخطط التهجير وتغول الاستيطان يلاحقها، وأن الضفة لا مفر لها سوى المقاومة والثبات.

ع ع/أ ك

/ تعليق عبر الفيس بوك