من داخل منزله المدمر في بلدة جباليا البلد شمالي قطاع غزة، اختار الطالب أنس عوض القانوع مناقشة رسالة الدكتوراه عن بعد في جامعة العلوم الماليزية، متحديًا قلة الإمكانيات وظروف انقطاع الإنترنت عن شمالي القطاع.
لم تكن مناقشة رسالة الدكتوراه بالأمر الهين على القانوع، بل واجهته صعوبات وتحديات كبيرة، بفعل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وما تخللها من انقطاع لوسائل التواصل والإنترنت، فضلًا عن رحلة النزوح من مكان لآخر.
لكن من رحم المعاناة والألم تُولد النجاحات والإبداعات، فيكون تحدي الأوضاع والظروف الراهنة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في القطاع، لا سيما في غزة والشمال نقطة تحول وصنع المعجزات.
صعوبات وتحديات
يقول الطالب القانوع: إن "انقطاع الاتصال والإنترنت عن شمال القطاع خلال الحرب الإسرائيلية شكل في البداية حجر عثرة وثقب أسود إزاء استكمال رسالة الدكتوراه، خاصة في الأمور البحثية والرسائل العلمية عن بعد".
ويضيف "لذلك كان يجب عليا أن أُكافح لأجل التقاط إشارة إرسال أبعث بها رسالة واحدة أخبر بها بأن رسالتي البحثية ستتواصل، رغم ظروف الحرب القاهرة".
ويتحدث القانوع عن تفاصيل حكايته مع رسالة الدكتوراه التي حُكم عليها بالتعثر بضع خطوات عن موعدها المحدد، قائلًا: "عملت مدرسًا منذ العام 2009، وكنت محاضرًا في الجامعة الإسلامية بغزة، وقمت بنشر أكثر من 20 بحثًا بين الماجستير إلى بداية الدكتوراه".
وفي عام 2021، التحق القانوع بجامعة العلوم الماليزية لأجل الحصول على درجة الدكتوراه في تصنيع أسلاك الفضة النانوية واستخدامها في تصنيع مجسات الأشعة فوق البنفسجية.
ويتابع "مع دخولي في سلك الدكتوراه نشرت مزيدًا من الأعمال البحثية والتي تزيد عن 27 بحثًا مكتوبًا ومنشورًا في مجلات دولية وعالمية".
ويكمل حديثه "سافرت إلى ماليزيا وعملت في مختبرات الجامعة هناك، وصنعنا أسلاك الفضة النانوية، وكان الموضوع صعب في البداية، كونه موضوع جديد ويتحدث عن تقنية النانو".
ولم يعلم القانوع ما يُخبأه القدر له فساقه الاشتياق لذويه إلى العودة لمدينة غزة لأجل رؤية أطفاله.
يقول: "حين أنهيت الجزء العملي بالكامل عُدت إلى غزة قبل الحرب الإسرائيلية على القطاع لأستكمل كتابة الرسالة وللقاء الأهل، إلا أن الحرب حالت دون إكمالها".
ولم يتمكن القانوع من إكمال كتابة الرسالة حتى شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، لأنه اضطر أيضًا إلى النزوح من بيته في جباليا البلد، والذي تعرض للهدم والتدمير الإسرائيلي.
عزيمة وإصرار
ويضيف "كان يجب عليا ألا أستسلم للظروف ولا بد من انهزامها وتخطيها بكل عزيمة وإصرار، لذلك قررت في شهر يناير استئناف الدراسة، رغم الدمار وقلة الامكانات، خاصة بعد الحرب البرية على البلدة".
وتمكن القانوع من شراء بطارية ومولد كهربائي لاستئناف العمل عليها لأجل إتمامها ومناقشتها.
ويتابع "لم تكن الأمور سهلة وبسيطة، فالعقل متجمد، لأن فترة الحرب قد طالت، وأصبح اليوم فيها كألف يوم، إلا أن رعاية الله كانت موجودة".
ويوضح أنه "رغم الصعوبة في أول أيام الكتابة، إلا أن الأمور بدأت تتحلحل، دون وجود إنترنت، لكن لا يمكن إكمال كتابة الرسالة دون توفره".
ويشير إلى أن ما ساعده على إتمام الرسالة توفر الإنترنت عند ابن خاله الذي يمتلك شريحة إلكترونية، لذلك اغتنم هذه الفرصة، في ظل قلة الخيارات.
ويقول: "لم يكن لدي أي خيار آخر، فمكثت لديه قرابة شهرين ونصف، وواصلت العمل ليلًا ونهارًا، وكنت أنام عنده باليوم واليومين وأترك زوجتي وأولادي كي أنهي كتابة الرسالة في وقت قصير".
وبعد رحلة من المعاناة والتحديات، حان الوقت لمشاركة أهله وأصدقائه وكل من دعمه فرحة حصوله على درجة الدكتوراه.
يقول القانوع: "لكن الحرب لم تترك هنا مكانًا للفرح، فالمناقشة كانت الساعة الرابعة فجرًا، بغرفتي المدمرة، وكان علي توفير الإنترنت والمشكلة الكبرى أن شريحة الإنترنت انتهت قبل المناقشة بساعة، ما شكل مشكلة كان يجب عليا أن أتجاوزها بكل عزيمة، حتى تيسرت أموري وتمكنت من مناقشتها".
وأهدى القانوع هذا العمل إلى روح الشهيد البروفيسور سفيان التايه رئيس الجامعة الإسلامية، الذي كان من أكثر الداعمين لي بعبارته "لا لليأس".
وختم حديثه قائلًا: "كل شيء يحدث قدر من أقدار الله لك، وسيمضي مهما تعاظم وتكالبت الأمور، ومهما الحرب طالت لا بد أن تنتهي، ويجب العمل على بذل الجهد وصنع المستحيل، رغم الظروف القاسية".