web site counter

مها أبو النور.. الطفلة الأم

غزة - مدلين خلة - صفا

لم يكن مساءً عاديًا، بل كان يحمل في طياته وجع الفقد لقلبين صغيرين حرمتهم الحرب من والديهما وشقيقتهما الصغرى، بعد قصف طائرات الاحتلال منزلهم في شمالي قطاع غزة.

مها براء أبو النور التي لم تتجاوز ثمانية أعوام بعد، وشقيقها يامن ذو الستة أعوام، باتوا في عداد الأيتام عقب إلقاء جيش الاحتلال برميلًا متفجرًا نال من بيتهم وأدى إلى استشهاد والديهما وشقيقتهما براءة.

الطفلة الصغيرة التي من المفترض أن تكون أقصى أحزانها تلف لعبتها المفضلة، بات قلبها في هذا العمر الصغير يحمل وجع فقدان والديها وشقيقتها، وأصبح مفروضًا على جسدها الصغير وروحها البريئة أن تتحمل مسؤوليات شقيقها الأصغر التي نال الحزن من قلبه الكثير.

لم تستطع مها كتم الدموع في عينيها، فانفجرت كشلال وهي تحكي بحرقة كبيرة عن ألم سكن قلبها: "ماما وبابا راحوا وتركوني أنا ويامن لحالنا، اليهود قصفوهم وهم بالدار، حرمونا منهم، حتى أختي براءة كانت بحضن ماما وراحت هي كمان".

"ماما وبابا ما عملوا شيء لليهود، بس هم اليهود هيك بحبوش يخلونا مع بعض، احنا ما عنا لا طيارات ولا صواريخ نطخ عليهم، كنا قاعدين نضحك مع بعض وبلحظة ما ضل حدا منهم، كنت أنا ويامن معهم بنفس الغرفة بس طلعونا قبلهم من تحت الانقاض"، تضيف مها.

في لحظة تبدلت الضحكات إلى دموع، ولم يعد هنا أي طعم للحياة بعد رحيل الوالدين، وتُرك المنزل المدمر يبكي أصحابه الذين رحلوا عنه.

بعد لحظات من الصمت عادت مها لتقول: "لمين رح نضل أنا ويامن، بعرف إنو بابا أخذ ماما وبراءة وراحوا على الجنة، بس ليش ما أخذوني معهم، شو بدي أعمل بالدنيا هذه".

تنظر الطفلة الصغيرة إلى صورة جمعتها بوالديها، تتحسسها بأناملها الصغيرة وعينيها تذرفان الدموع، وشفتيها ترتجفان وهي تطبق عليهما بشدة محاولة حبس صرخة ألم كادت أن تخرج من أعماقها.

تضيف الطفلة: "كل إلي بجمعني فيهم هذه الصورة، كل ما بشتاق إلهم بطلعها وبضمها إلي بس بضل مشتاقة إلهم، يا ريت بنفع أحضنهم وأشوفهم مرة ثانية".

تستذكر "الطفلة الأم" حديثًا لوالدتها "كانت ماما تضل تقلي إنتي الكبيرة يا مها، لازم تضل عينك على يامن وبراءة، إنتي الفهمانة العاقلة، ما كنت بعرف إنها كانت بدها تروح وتسيب يامن وأنا أربيه".

أضحت القضية للطفلة الصغيرة شخصية، فهي التي أصبحت أمًا دون أن تكبر، وتحمل في طيات ذاكرتها حقدًا دفينًا على الاحتلال الإسرائيلي الذي حرمها من أغلى الأشخاص على قلبها، وتحوّلت وشقيقها إلى يتيمين يصارعان الحياة .

"رح أكبر أنا ويامن واعلمه إنه اليهود هم إلي حرمونا من ماما وبابا ولازم ناخذ بثارنا منهم، ونطلعهم من عنا مهزومين"، تضيف الطفلة.

تبكي الصغيرة حزنها وتواسي نفسها بأن النهاية ستكون لقاءً بالجنة يذهب به وجع الدنيا وآلام أيام حفرت في عقلها وروحها وأرّقت مضجعها وأبكت عينيها.

ستكبر مها ويامن بمفردهما دون أن يشاركهما والديهما لحظات حياتهما، حالهم كحال آلاف الأطفال الذين فقدوا ذويهم في حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من تسعة أشهر، والذين يحملون في ذاكرتهم حكايات الألم والمرار.

ووفق تقرير حكومي فإن أكثر من 16 ألف طفل استشهدوا بفعل الحرب الإسرائيلية على القطاع، فيما أصبح أكثر من 17 ألفًا أيتامًا، وأصيب نحو 34 ألفًا بجراح.

وحصدت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد القطاع حتى اليوم نحو 40 ألف شهيد، و10 آلاف مفقود تحت الأنقاض، و90 ألف جريح، عدا عن تدمير نحو ثلثي مباني غزة ومنشآتها وبناها التحتية.

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام