"الموت كان يُحاصرنا من كل مكان"

مواطنون يروون لـ"صفا" تفاصيل مروعة عمّا عايشوه خلال اجتياح الاحتلال تل الهوا والصناعة بغزة

غزة - خــاص صفا

"عشنا خمسة أيامٍ مرعبة جدًا، لا نعرف طعمًا للنوم ولا للراحة، الموت كان يُحاصرنا من كل مكان، لا ندري ماذا سيكون مصيرنا، هل الإعدام أم الاعتقال".. هكذا وصف المواطن أبو حازم الشرفا مشهد الرعب والخوف الذي عاشه وعائلته خلال محاصرتهم في منزل أقاربهم، أثناء اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي منطقة الصناعة وحي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة.

يقول الشرفا، وعلامات الإجهاد والتعب تبدو على جسده من شدة ما تعرض له من تعذيب وتنكيل، لوكالة "صفا": إنه "عند الساعة الرابعة فجر الاثنين تفاجأنا ونحن نائمون بتفجير باب المنزل واقتحامه من نحو 50 جنديًا إسرائيليًا، قائلين لنا ارفعوا أيديكم إلى الأعلى، وبدأوا بإخراجنا من المنزل بعدما فصلوا النساء عن الرجال".

ويضيف "احتجزونا نحن الرجال البالغ عددنا تسعة، في بناية مجاورة للمنزل، وقيدوا أيدينا بالأصفاد، وعصبوا أعيننا واعتدوا علينا بالضرب المبرح في أعقاب البنادق والأحذية، وبدأوا بإطلاق الرصاص علينا بكثافة؛ فاستشهد خمسة من الجيران". 

تنكيل وإعدام

وفي مشهد صادم ومؤلم، أعدم جيش الاحتلال بدم بارد أربعة مواطنين من عائلة زيدية، وآخر من عائلة لولو أمام أعين المحتجزين في المنزل. 

"أجبرونا طوال فترة الاجتياح على الجلوس أرضًا في الليل والنهار، ونحن مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين، دون طعام أو شراب، ولا نعرف شيئًا عن ظروف النساء والأطفال"، يتابع الشرفا.

ويُكمل "كنا نطلب الماء من الجنود لأجل البقاء على قيد الحياة، إلا أنهم أحضروا لنا مرة واحدة فقط ماءً مخلوطًا بالقهوة طعمه سيء للغاية". 

ويقول الشرفا: "رأينا الموت بأعيننا، كنا ننتظر في كل لحظة أن يتم إعدامنا أو اعتقالنا، أطفالنا ماتوا من الرعب والخوف، ونفسياتهم دُمرت من شدة ما شاهدوه أمام أعينهم". 

وتعرض المحتجزون لتحقيقٍ قاسٍ وعمليات تعذيب واعتداء وحشية من جنود الاحتلال استمرت ساعات طويلة. 

وهذا ما بدا واضحًا على جسد المسن الشرفا، الذي تعرض لرضوض في منطقة الصدر، عدا عن آثار القيود على يده اليمنى. 

وبمجرد دخولنا إلى منطقة الصناعة صباح أمس الجمعة، عقب انسحاب جيش الاحتلال منها، بدا المشهد مأساويًا للغاية، إذ تعرضت عشرات المنازل والمباني السكنية إما إلى تدمير أو حرق، فضلًا عن عشرات الشهداء الذين تناثرت جثامينهم بين الأزقة وفي الطرقات وداخل المنازل التي دمرتها طائرات الاحتلال، عدا عن تدمير البنية التحتية. 

أيامُ مرعبة

ولم تكن مأساة المواطن عبد الناصر الشريف مغايرة كثيرًا، فهو الآخر عاش أيامًا عصيبة أثناء الاجتياح الإسرائيلي، بعدما نزح من مكان لآخر، عله يجد الأمان لعائلته وأطفاله. 

وأثناء عودته من منطقة الصناعة إلى منطقة سكنه في شارع الصحابة وسط مدينة غزة، التقت وكالة "صفا" الشريف، الذي روى تفاصيل ما حدث معهم أثناء الاجتياح. 

يقول الشريف: "بعدما توجهنا يوم الأحد الماضي إلى غربي غزة عقب إلقاء جيش الاحتلال مناشير يطالب فيها أهالي حيي الدرج والتفاح بالتوجه لتلك المناطق، تفاجأنا فجر الاثنين بمباغتة الجيش لنا، وسط إطلاق كثيف للنيران والقصف المدفعي والجوي على منطقة الصناعة وتل الهوا". 

ويضيف "حينها لم نعرف أين سنذهب، ووجدنا أنفسنا محاصرون في حي تل الهوا مقابل شارع المستشفى الأردني، حتى بدأت القذائف تتساقط علينا من كل اتجاه؛ فاضطررت أنا وعائلتي وأقاربي للجلوس في غرفة صغيرة، وكان أطفالي يبكون ليلًا ونهارًا من الخوف الشديد". 

"كل القذائف والأسلحة المعروفة في العالم استُخدمت ضدنا، من قذائف الهاوزر، والقذائف الحارقة والكواد كابتر وغيرها، أيامُ قاسية وعصيبة عشناها طيلة هذه الفترة دون أن نشعر بطعم الراحة والنوم، من كثافة القصف الذي لم يتوقف للحظة، وحتى الماء بالكاد كنا نشربه مع فتات من الخبز". 

وخلال الاجتياح، اقتحم جنود الاحتلال عدة منازل في محيط وزارة المالية ومحطة البراوي، وحققوا مع المواطنين الذين كانوا محاصرين، وأجبروهم على النزوح إلى جنوبي القطاع. 

يقول الشريف: "خرج الجنود من الآليات والدبابات، وشرعوا باقتحام المنازل، وأجبروا الناس على التوجه للجنوب تحت غطاء من الطائرات المسيرة (كواد كابتر)، قائلين لهم نحن نتتبعكم إن تحركتم إلى طريق آخر سنطلق الرصاص عليكم". 

ويتابع "اتصلوا علينا وقالوا لنا نعرف إنكم بالمنزل وعليكم التوجه للجنوب فورًا، إلا أننا لم ننصاع لهم، فنحن نفضل الموت هنا على النزوح".

"بقينا في مكاننا لا نتحرك مطلقًا، خشية من اقتحام المنزل الذي نحن داخله حتى تفاجأنا صباح الجمعة بانسحاب الجيش من المكان"، يختم الشريف.

مجازر مروعة

وعلى مدار الخمسة أيام، ارتكب جيش الاحتلال مجازر مروعة من جرائم قتل وإعدام بدم بارد وحرق منازل ومبانٍ مدنية، وتدمير مؤسسات صحية. 

وتمكنت طواقم الدفاع المدني والطواقم الطبية من انتشال نحو 60 شهيدًا منذ لحظة انسحاب جيش الاحتلال من منطقة تل الهوا والصناعة، وما زال هناك مفقودون تحت أنقاض المنازل المدمرة، يصعب على الطواقم الوصول إليهم. 

وأعدم جنود الاحتلال ثلاثة نساء مسنات من عائلة الغلاييني بدم بارد، خلال اقتحام منزلهن في حارة الريس بمنطقة الصناعة، وإحراقه وهم بداخله. 

ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تعذيب جيش الاحتلال مدنيًا يبلغ (58 عامًا)، وضربه ضربًا شديدًا، أثناء حصاره نحو 12 ساعة مع عدد من أقاربه في منزله.

أ ج/ر ش

/ تعليق عبر الفيس بوك