ما زالت صدمة تحوّل الحي السكني الهادئ إلى منطقة أشباح، تسيطر على سكان "مدينة حمد" في خانيونس جنوبي قطاع غزة، الذين عاد عددٌ غير قليل منهم إليها، منذ بدء اجتياح رفح، وبعدما شوه جيش الاحتلال منطقتهم وترك خلفه ما يعكس بشاعته.
ويتوسط المدينة الحزينة، "شارع النخيل" المشهور، والذي يعده سكانها معلماً حيويًا ومهمًا منذ تسلموها من اللجنة القطرية لإعمار غزة قبل سنوات، وسُمي بذلك لكثرة أشجار النخيل التي كانت تزين وسطه وتميزه عن باقي شوارعها، كما أنه يؤدي لجميع أبراجها.
"من قال إن الشجر والحجر يهون، لا إنه غالٍ وفيه كل ذكرياتنا"، يقول خالد النشاصي العائد إلى مكان شقته المدمرة بشارع النخيل.
ويضيف لوكالة "صفا": "هذا ليس مجرد شارع، كانت حياتنا في كل تفاصيله، أعدموا شجر النخيل، وشوهوا الشارع، حتى مشهد البرج المتبقي يحرق قلوبنا، وكأنه إنسان معدوم".
وشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا على مدينة حمد عدة مرات منذ بدء حربه المتواصلة على قطاع غزة في أكتوبر من العام المنصرم، وبلغ عدد الأبراج التي هدمها كليًا ما لا يقل عن 20 برجًا، فيما تضررت معظم الأبراج الأخرى بشكل جزئي أو بليغ.
ولم يُبق جيش الاحتلال الذي جرف أشجار النخيل متعمدًا وألقى بها على بوابات بعض الأبراج أو بين السواتر التي كان يضعها، سوى شجرة واحدة، شاهدة على إعدام الأخريات.
يقول محمد المصري الذي فقد شقته: "دمروا كل شيء ونسوا هذه النخلة، شكلها وهي وحيدة وكأنها تتألم مثلنا على حال المدينة".
ويستحضر حياة المدينة قبل العدوان بقوله: "كلما نظرت وتذكرت كيف كانت أجواء الصيف والشتاء، أجواء الليل والمطر، تحت النخيل أو مشهد المدينة من فوق شقتي، أتحسر على ما حل بها".
ويؤدي شارع النخيل المذكور، إلى شارع قطر الرئيسي في المدينة ويتقاطع معه من عدة تجاهات، والذي هو الآخر شوهه الاحتلال من كثرة الأبراج المتراكمة فوق بعضها قصفًا.
ويبدو للناظر لشارع النخيل أن جيش الاحتلال كان يتعامل مع معالمه بأسلوب وحشي، نظرًا لحجم الدمار الذي حل به.
يجلس عبد الله الحاج على جذع نخلة ملقاة على باب البرج الذي يقطنه، قائلاً بحرقة: "كيف استطاعوا إعدام حياتنا في أيام قليلة، شجر النخيل مع سيارات الناس والحاويات والحجارة وأعمدة النور كلها على باب البرج، لم يبقوا شيئًا إلا آذوه".
ويصف حال العائدين للمدينة: "كل من رجع حزين على حالها، وحالنا الذي وصلنا إليه والحياة الصعبة التي فرضوها علينا، نحن نبدأ من الصفر".
ويعاني سكان "حمد" من الوصول إلى المياه، وبالرغم من أن شارع النخيل من أكثر شوارع المدينة عودةً للسكان، إلا أن الطواقم لا تستطع حتى اليوم إصلاح ما دمره جيش الاحتلال في بنيتها التحتية.
ويعيش معظم من دمرت شققهم في المدينة بخيام بين أزقتها وتحت أبراجها الناجية، وآخرين في الأراضي الفارغة حول الأبراج، بينما استبدل آخرون الشقق بالسكن في المحال التجارية التي تدمرت محتوياتها، وتحولت اليوم لمساكن نازحين.
ودمر جيش الاحتلال البنى التحتية في المدينة وقصفت طائراته الحربية مسجدها الوحيد، والذي يُعد من أكبر معالمها، كما تعمد إحراق عشرات الشقق السكنية، قبل أن ينسحب منها قبل نحو شهر ونصف.
وتعد مدينة حمد من أرقى مدن قطاع غزة وأحدثها، والتي تم بناؤها بدعم وإشراف وتنفيذ قطري عام 2015.
وبالرغم من عودتهم بعض السكان، إلا أن المدينة تتحول ليلًا إلى مكان مخيف، لعدم توفر الإنارة داخل الأبراج وخارجها، عدا عن أن العائدين لا يأمنوا غدر جيش الاحتلال بهم في أي لحظة.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر 2023، استشهد نحو 36 ألف مواطن، وأصيب نحو 80 ألفًا، أكثر من 72% منهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة، عدا عن تدمير نحو ثلثي المباني السكنية، والبنية التحتية والخدمية، والمنشآت الاقتصادية.