web site counter

خيام النازحين في رفح.. أفران للبشر

رفح - خــاص صفا

على دلو ماء مقلوب على عقبه، يجلس محمد نصّار بعدما أفرغ أربعة دلاءٍ أخرى رشّها أمام خيمته البلاستيكية؛ علّه يحصل على بعض نسائم من هواء رفح الحار رغم الجوّ الربيعي.

فعلى امتداد البصر؛ يمكن للمارّ في حيّ الشابورة وسط رفح أن يلحظ طوابير عشوائية لا تنتهي من الخيام بأنواعها؛ سواءً الجاهزة التي توزعها المؤسسات الإغاثية، أو التي نصبها أصحابها بما توفر لهم من موادٍ أولية.

لكن ساكني تلك الخيام أصبحوا يفرّون منها نهارًا ويأوون إليها ليلاً بعدما ضربت موجةٌ حارّة المنطقة ليومين تقريبًا، لتُحوّل خيامهم إلى مرتعٍ للحشرات الزاحفة والطائرة، فيما وثّق بعض النازحين مرور أفاعٍ صغيرة تحت فراشهم.

وعلى أي حال؛ فإن درجات الحظّ تتفاوت بين أولئك النازحين مع قرب قدوم الصيف؛ فامتلاك مأوىً (خيمةٍ) بلاستيكية في أول أيام النزوح كان يُعدّ آنذاك امتيازًا، كون مثيلتها الصفيحية كانت أشبه بثلاجات عملاقة، بينما تحولت الأخيرة إلى أفرانٍ بشرية في هذه الفترة.

نصّار (47 عامًا) الذي نزح من حيّ الشيخ رضوان بغزة في ديسمبر الماضي بعدما فقد ابنه شهيدًا بقصفٍ إسرائيلي لمنزله المتعدد الطوابق، يعتقد أن الأفران ربما تكون أفضل من خيمته وخيام جيرانه في الحيّ، إذ "للأفران فتحات جانبية أو مداخن عليا للتنفيس، بينما خيامنا مكعبات بلا متنفس".

ويُشير نصّار إلى مجموعة من جيرانه الذين فرّوا من الحرّ على بعد عشرات الأمتار تحت مظلة بقّالة قريبة، بينما آثر هو رشّ الماء لتبريد مدخل خيمته لمحاولة أخذ قيلولة سريعة.

أما جيرانه فينتظرون حلول المساء ليرجعوا لـ"أفرانهم".

وفي نظرةٍ سريعة داخل مجموعةٍ عشوائيةٍ من خيام حيّ الجنينة بالمدينة، يُسارع ممدوح القرّا في إخراج أغذيةٍ معلبة من خيمته الصفيحية إلى تحت ظلّ نخلةٍ قريبة، قائلاً: "إنها تحولت إلى قنابل وعلى وشك الغليان جراء حرارة الجوّ".

القرّا (51 عامًا) الذي نزح هو الآخر من منطقة بني سهيلا بخان يونس في ديسمبر/ كانون أول الماضي، دعا مراسل "صفا" للدخول ثوانٍ إلى خيمته التي سجّلت حرارة أجوائها أكثر من 50 درجة مئوية، ما يعني استحالة الحشرات الطائرة المكوث فيها، لكن يمكن رؤية العديد منها كالبعوض وصغار الذباب وأخرى قافزة بعد انكسار حدة الحرّ.

في ذلك الطقس الذي يُنذر بصيفٍ حارق بامتياز، فإن الحصول على كوبٍ من الماء البارد يُعد أمرًا في غاية النُدرة؛ وإن حصل عليه أحد النازحين فإنه سيكلفه كثيرًا مقابل ريّ عطشه لساعة، وبالطبع لن يتحمّل غالبيتهم الساحقة جلب لتراتٍ منه له ولعائلته، عدا عن استحالة تخزينه.

ولا يقتصر تأثير درجة الحرارة اللاهبة في خيام النزوح على استحالة الجلوس فيها فحسب أو الشعور بالظمأ؛ بل إنها تمنح شعورًا بالضيق العام وصعوبة التنفس والتأثير سلبًا على المزاج، عدا عن الحكة والأمراض الجلدية كالأكزيما.

في "الجنينة"، الحي الذي تعرّض للكثير من القصف خلال أشهر المجازر بحق العزّل، تجلس انتصار بربخ على رصيف مجاور لمأواها، الذي تقول إنها تتمنى أن يكون خيمة أصلاً.

فانتصار (60 عامًا) لا يُعرف إذا ما كانت على علمٍ بـ"الأهوال" التي اشتكى منها أصحاب الخيام شتاءً وصيفًا، قائلةً إن "خيمةً وإن كانت من الصفيح فهي أفضل من قطعة البلاستيك بطول خمسة أمتار مستندة بشكلٍ عشوائي إلى جدار مدرسة تتبع وكالة الغوث، ثم يحسب الجيران أنني في خيمة حقيقية".

وينتظر مئات الآلاف من النازحين في مدينة رفح بصيص أملٍ في العودة إلى ديارهم بالمحافظات الأخرى، وإن كان يعتقد غالبيتهم أنها تعرضت للتجريف أو التدمير، سواءً كليًا أو جزئيًا، ويرون أن العودة إلى كومةٍ من الحجارة سيكون في جميع الظروف أفضل حالاً من حياة النزوح التي تحمل الكثير من المآسي.

تلك العودة المنشودة تعدّ من أولى الشروط التي تتمسك بها فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، الذين يرون أن عودة النازحين مقترنة بوقف شاملٍ للعدوان وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة كاملاً.

ودفع الارتفاع المتسارع للحرارة، وما يرافق ذلك من طقس جاف وارتفاع نسبة الرطوبة، وانتشار الحشرات والقوارض، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى التحذير من اتساع انتشار الأوبئة والأمراض وازدياد عدد الوفيات على أثرها.

أ ج/أ ك

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام