كشفت مصادر عائلية وشهود عيان لوكالة الصحافة الفلسطينة (صفا) هوية مواطن فلسطيني دعسته آلية عسكرية إسرائيلية تحت جنازيرها خلال حرب الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال ضد قطاع غزة منذ أكثر من 200 يوم.
وفي 29 فبراير/ شباط 2024 عثر مواطنون على جثمان شهيد دعسته جنازير آلية عسكرية إسرائيلية بطريقة بشعة، قبل انسحابها من حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، ولم تُبقِ منه أي ملامح تقريبًا.
وبدأت قوات الاحتلال عملية عسكرية ثالثة في حي الزيتون يوم 19 فبراير الماضي بمشاركة لواءين من الفرقة 162، بهدف "القضاء على البنى التحتية لكتائب القسام فوق الأرض وتحتها"، على حد زعمها، وقالت إنها ستستمر أسابيع، لكن بعد عشرة أيام انسحبت تحت ضربات المقاومة.
حاولت قوات الاحتلال تعويض الفشل العسكري أمام المقاومة في "الحي العنيد" من خلال ارتكاب عديد الجرائم البشعة بحق المدنيين، وإحداث دمار هائل في مئات المنازل والمنشآت الخدماتية والبنية التحتية.
هوية شهيد الدعس
إحدى هذه الجرائم البشعة ما ارتكبته قوات الاحتلال بحق مواطن فلسطيني وُجد جثمانه مفتتًا بطريقة بشعة على مطلع شارع "أبو زور" المتفرع من طريق صلاح الدين الرئيسي في الحي، وفي يديه قيود بلاستيكية.
وبعد بحثٍ وتحرٍ استغرق أكثر من خمسة أسابيع، تمكّنت وكالة "صفا" من معرفة هوية الشهيد، وبعض التفاصيل الشخصية عنه، وحيثيات جريمة دعسه من مجنزرة إسرائيلية.
وأكدت مصادر عائلية لوكالة "صفا" أن الشهيد هو جمال حمدي حسن عاشور (62 عامًا)، وكان يسكن قرب مسجد "ساق الله" بحي الزيتون.
وأوضحت المصادر أن الشهيد عاشور متزوج وأب لخمسة بنات، زوجهن جميعًا، ويعمل بائعًا للخضراوات.
وبيّنت المصادر أن طائرات الاحتلال المُسيّرة كانت قصفت منزل عاشور قبل الاجتياح البري الأخير للحي؛ فاستشهد ابن شقيقه، وهو ما اضطر جميع من كانوا في المنزل إلى مغادرته صوب منطقة أخرى.
وقالت المصادر: "قبل الاجتياح الأخير للحي بيوم واحد توجّه جمال وزوجته إلى منزلهما لإحضار بعض الطعام الذي اضطروا لتركه في البيت وقت مغادرته على عجل، لأن المجاعة كادت تفتك بهما، كما مئات آلاف المواطنين في محافظتي غزة والشمال".
تفاصيل الجريمة
وفي محاولة للإلمام أكثر بتفاصيل ما جرى للشهيد عاشور، تحدثت وكالة "صفا" مع شهود عِيان كانوا في المنطقة التي ارتُكبت فيها الجريمة الإسرائيلية، لكنهم فضّلوا عدم الكشف عن أسمائهم.
وأفاد شهود العيان بأن قوات الاحتلال حاصرت الشهيد عاشور وزوجته داخل منزلهما، قبل أن تعتقله وتنقله إلى مبنى في الحي خصصته للتحقيق مع المعتقلين.
وذكر الشهود أن قوات الاحتلال كبّلت الشهيد عاشور بـ"مرابط بلاستيكية" وجرّدته من ملابسه، وحققت معه، قبل أن يُعثر على جثته مفتتة بطريقة بشعة على أثر دعسه من دبابة إسرائيلية- وزنها أكثر من 60 طنًا- على مسافة نحو 450 مترًا من منزله.
ورجّح شهود العيان أن تكون قوات الاحتلال أطلقت النار على عاشور وأصابته بجراح قبل أن تدعسه الدبابة الإسرائيلية وهو حي، بسبب وجود بقع من الدماء على بنطال الشهيد الذي كان عالقًا أسفل قدمه، وتبدو أنها ليست في يوم ارتكاب الجريمة البشعة، وإنما في يوم سابق على الأقل.
وأشاروا إلى أن دبابة جيش الاحتلال دعست الشهيد قبل انسحاب القوات من الحي مباشرة، إذ عُثر على أحشائه وأشلاء جثمانه لم تتحلل بعد.
وبيّنت المصادر أن أسرة الشهيد استطاعت التعرف عليه من خلال حرق في الإصبع وساعته وبعض ملابسه، إذ لم يتبقَ من جسده سوى عين واحدة ويد واحدة.
اختفاء الزوجة
لم يقف مصاب عائلة الشهيد عند قتله بطريقة بشعة، بل ما زالت زوجته إلهام سلامة عياد، التي تركها في البيت حين اعتقاله، مفقودة، ولا يُعرف شيء عن مصيرها منذ نحو شهر، كما دمّرت قوات الاحتلال منزله بشكل كامل.
وقالت مصادر عائلية إن أسرة الشهيد بحثت كثيرًا عن زوجته، سواء في حي الزيتون أو بين المواطنين الذين أجبرتهم قوات الاحتلال- خلال العملية العسكرية- على النزوح إلى جنوبي القطاع، ولم تجد لها أثرًا بعد.
ولفتت المصادر إلى أن مواطنين عثروا على جثة في منطقة قريبة من منزل الشهيد قد تكون لزوجته، لكن لا يمكن التأكد من ذلك إلا بعد التعرف على هويتها، ولاسيما أن هناك عديد الأشخاص في عداد المفقودين.
ولا يجد أقارب الشهيد المدني جمال عاشور حتى اليوم سببًا لما ارتكبته قوات الاحتلال بحق ابنهم من جريمة بشعة، لكن يبدو أنه كان ضحية سادية قوات ارتكبت إبادة جماعية بحق شعب على أرضه، دون أي مساءلة دولية.
ويطالب أقارب الشهيد بمحاسبة مرتكبي الجريمة البشعة بحق ابنهم، وتقديمهم ومسؤوليهم السياسيين والعسكريين للعدالة، والتعامل مع شعبنا الفلسطيني كـ"بشر"، وإعطائه حقوقه كاملة، وليس غير ذلك.
توثيق الجرائم
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أكد توثيقه سحق آليات عسكرية إسرائيلية مدنيين فلسطينيين خلال حرب الإبادة المستمرة ضد القطاع.
وأشار المرصد إلى أن ذلك يأتي في سياق "نزع الإنسانية عن الفلسطينيين جميعًا في القطاع، وبالتالي تبرير وتطبيع الجرائم التي ترتكب ضدهم".
وأوضح أن "عمليات القتل بالسحق تحت جنازير الدبابات تشكل إحدى الأساليب الوحشية التي يستخدمها جيش الاحتلال لقتل الفلسطينيين في غزة دون إيلاء اعتبار لإنسانيتهم وآلامهم وكرامتهم".
وشدد على أن تلك الممارسات "تعكس رغبات انتقامية لدى جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين كقومية بهدف القضاء عليهم وترهيبهم وإيذائهم جسديًّا ونفسيًّا، وتنفيذًا للتحريضات العلنية التي تدعو لإبادة الفلسطينيين في غزة، والتي صرح بها مسؤولين وإعلاميون ومستوطنون إسرائيليون، وكنتيجة للحصانة المطلقة التي يتمتع بها مرتكبو هذه الجرائم وإفلاتهم المستمر من العقاب".
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 34 ألف مواطن، وأصيب أزيد من 77 ألفًا، أكثر من 72% منهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة، عدا عن تدمير نحو ثلثي المباني السكنية، والبنية التحتية والخدمية، والمنشآت الاقتصادية.