أكفان ممزقة داخلها بقايا جثث متحللة وأخرى فيها أنصاف أجساد، ملقاة في نواحي مقبرة بني سهيلا شرقي خانيونس جنوبي قطاع غزة، بينما اختفت قبور أخرى بعدما حولتها جرافات جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى سواتر رميلة.
ويبحث أهالي بلدة بني سهيلا عن طرف خيط يوصلهم لجثامين موتاهم وشهدائهم في مقبرة البلدة الرئيسية، التي دنسها جيش الاحتلال على مدار أربعة أشهر، قبل أن ينسحب منها مؤخرًا.
"قبر أبي ليس بخير، الجيّد أن جثمانه داخله والحمد لله، لكن أين جدي وجدتي وأين زوجة قريبي الشهيدة"، هكذا أخذت تتمتم سجود بركة (23 عامًا) وهي بحالة صدمة فور وصولها المقبرة، من هول ما شاهدت.
تقول بركة، لوكالة "صفا": "لم أكن أتصور أن أرى هياكل وجثث متحللة بحياتي، مشهد الأكفان والموتى يخيف ويبكي ويقهر في نفس الوقت".
وتضيف "رأينا عبر الإنترنت صورًا للمقبرة أُخذت من القمر الصناعي وهي مجرّفة بشكل شبه كامل، وفور انسحاب جيش الاحتلال من بني سهيلا، أسرعنا لنرى موتانا قبل بيوتنا، خاصة أن قبر أبي، وأقاربي الذين استشهدوا خلال الحرب كانوا فيها، قبل أن ننزح من البلدة".
كان يوم ماطر، ولم يستطع الأهالي إصلاح أي قبر، ولا إزالة الركام عن جثث موتاهم وشهدائهم؛ فعادوا لمكان نزوحهم، خشية استهداف طائرات الاحتلال لهم، ليحاولوا في يوم آخر.
يقول الخمسيني عبد الله أبو دقة: "جئث أبحث عن جثامين أقاربي، فلم أجدهم ولم أجد أي قبور أصلاً في زاوية موتى العائلة داخل المقبرة".
يصف أبو دقة المشهد "الأكفان دفنت من كثرة الركام والرماد، ولا ندري بما نصف هذا الجيش، لأن ما فعله بالمقبرة والبلدة يفوق أي وصف قذر".
وارتجف أبو دقة حين رأى أكفان سيدات ممزقة وكُشف منها فروة الرأس، مرددًا "الله أكبر على إسرائيل".
ويضيف "سمعنا عن الهكسوس والمغول والتتار والمحارق، لكن اليهود فاقوهم في تاريخهم الأسود".
ويشير إلى أن جيش الاحتلال سرق جثثًا من داخل قبور، لم يتم تجريفها بعد، ما يجعل الأهالي لا يستطيعون الجزم بمن بقيت ومن سُرقت من داخل المقبرة.
وتُعد مقبرة بني سهيلا أكبر مقابر المنطقة الشرقية في محافظة خانيونس وأقدمها، وهي المحافظة التي شهدت عمليات إبادة وقتل واسعين منذ بدء الحرب الاسرائيلية.
ودنس جيش الاحتلال طوال الحرب المستمرة على قطاع غزة، عشرات المقابر، وسرق جثثًا لموتى وشهداء، وأعاد عددًا منها بعد مدة، وبدا عليها عمليات لسرقة أعضاء.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر 2023، استشهد نحو 34 ألف مواطن، وأصيب نحو 77 ألفًا، أكثر من 70% منهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة، عدا عن تدمير نحو ثلثي المباني السكنية، والبنية التحتية والخدمية، والمنشآت الاقتصادية.