فتح الرد الإيراني غير المسبوق على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قنصلية طهران في دمشق، الباب واسعًا أمام تكهنات بطبيعة تعامل الكيان مع الحدث، ولاسيما بعد سلسلة تهديدات إسرائيلية بقصف أهداف داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي غير معروف النتائج.
واستهدف الحرس الثوري الإيراني قبل فجر الرابع عشر من أبريل/ نيسان 2024 أهدافًا عسكرية داخل الكيان الإسرائيلي بعشرات الطائرات المسيّرات الانتحارية والصواريخ، وهي المرة الأولى التي تقصف فيها طهران الكيان من أراضيها بشكل مباشر.
وجاءت العملية الإيرانية ردًا على استهداف جيش الاحتلال مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أسفر عن اغتيال 7 إيرانيين أحدهم القيادي البارز في فيلق القدس محمد رضا زاهدي.
وعقب الرد الإيراني تصاعدت الدعوات من دول إقليمية وكبرى إلى ضرورة تهدئة التصعيد، محذرة من "جر المنطقة إلى المجهول"، في حال استمرار الضربات المتبادلة بين الجانبين، ولاسيما في ظل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، التي قد تقامر بـ"كل شيء" في سبيل بقائها.
ومع استمرار ضبابية المشهد برزت تساؤلات بشأن السيناريوهات المتوقعة خلال المرحلة المقبلة، وتأثير ما يجري على الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وموقف الإدارة الأمريكية، الداعم الأساسي للكيان، مما يجري، ولاسيما أنها على أعتاب انتخابات رئاسية يُتوقع أن تشهد منافسة شديدة.
رد مدروس
ويرى الكاتب والمحلّل السياسي ساري عرابي أنّ الرد الإيراني كان مدروسًا ومحسوبًا ومعلنًا بصورة مسبقة، ويهدف إلى تحقيق نوع من الردع للكيان، وتوفير فرصة للولايات المتحدة من أجل الضغط على نتنياهو، لعدم الرد الفوري والسريع والمباشر على طهران.
ويشير عرابي، في حديثه لوكالة "صفا"، إلى وجود فاعلين أساسيين في المنطقة والعالم لا يريدان أن تتوسع المواجهة إلى حرب إقليمية، هما إيران والولايات المتحدة، "إذ إن سلوكهما لا ينم عن إرادة لتوسيع الحرب".
ويعتقد عرابي أنّ "إسرائيل ستنفذ ردًا صغيرًا ومدروسًا على إيران"، لكن تبقى التساؤلات حول طبيعته.
ويقول: "قد ترد إسرائيل في العمق الإيراني، أو تضرب الوجود الإيراني داخل سوريا، ولكن بعيدًا عن استهداف القنصلية أو السفارة، أو قد تلجأ إلى حروب الظلال، وهي عمليات ذات طبيعة أمنية استخباراتية سبق وأن استخدمتها أكثر من مرة".
تأثيرات على غزة
وعن تأثير المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية على الحرب في القطاع، يرى عرابي أنّها تزيد من الحسابات السياسية والاستراتيجية للكيان والولايات المتحدة؛ "وبالتالي قد تفيد في مزيد من ضغط أمريكا ودول الإقليم على الاحتلال لمحاولة التخفيف من وتيرة الحرب داخل غزة أو الاستعجال بإنهائها".
ويعتقد أنّ "الولايات المتحدة متنبهة لما يسعى نتنياهو إليه، وهي لم تتورط في حرب واسعة حتى اللحظة، وتحاول أن تبقي الحرب الإسرائيلية ضمن وتيرة معينة".
ويضيف "الولايات المتحدة تؤيد الحرب الإسرائيلية على القطاع ومع تحقيق أهدافها، لكنها ليست مع السياسة والإدارة التي استخدمتها "إسرائيل" في هذه الحرب؛ لذلك تسعى الآن إلى تغيير شكل الإدارة الإسرائيلية للحرب وألا تتحول إلى مواجهة أكبر بكثير مما هي عليه اليوم".
توسيع الحرب
ووسط حالة الترقب، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين توقعهم أن "ترد إسرائيل بسرعة على هجوم إيران، وقد يكون خلال ساعات"، في وقت قالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو دعا قادة المعارضة لإبلاغهم بإحاطة أمنية.
ويتفق المحلّل السياسي نهاد أبو غوش مع عرابي بأنّ نتنياهو معني بخلط الأوراق وتصدير أزمته الناجمة عن فشله في تحقيق أهداف الحرب على غزة عبر إطالة أمد الحرب وتوسيعها، وجرّ الولايات المتحدة إلى حرب ضد إيران وحزب الله.
ويشير أبو غوش، في حديثه لوكالة "صفا"، إلى وجود قوى وأوساط في "إسرائيل" تدرك أنّ ما قام به نتنياهو من عدوان على القنصلية الإيرانية لم يكن ضروريًا ومدروسًا، وأنّ كلفة التصدي للرد الإيراني النفسية والمادية والسياسية ستكون أضعاف الفائدة التي جنتها.
ولا يتوقع المحلل السياسي أن تنجر الولايات المتحدة إلى تكتيكات نتنياهو ومناوراته، وخوض حروب لا نهاية لها، مضيفًا أن "أقصى ما يمكن أن تمارسه الولايات المتحدة هو الضغط الاقتصادي والمقاطعة".
ويشير أبو غوش إلى أن اشتعال حرب إقليمية أو عالمية يمكن أن يؤدي إلى اختفاء القضية الفلسطينية عن الساحة الدولية، "وهو ما سيُمكّن قوى اليمين الإسرائيلية المتطرفة من الاستفراد بغزة والضفة، ومواصلة تنفيذ أجنداتها بعيدًا عن أعين العالم الذي سيكون مشغولًا".
ويؤكد أنّ المواجهة بين إيران و"إسرائيل" أثبتت- كما حدث في "طوفان الأقصى"- أنّ الكيان لا يمكنه خوض حرب ليوم واحد دون دعم أميركي مطلق ومشاركة مباشرة في الحرب.
ويضيف "هذه الحقيقة تهز مكانة إسرائيل، وتجردها من الهالات الأسطورية التي تحيط بها وتظهر أنها قابلة للضرب".