معامل الحلوى برفح.. هل تُضفي بعض الحلا على مرارة النزوح؟

رفح - خــاص صفا

ينثر محمود طوباسي حفنات الفستق الحلبي المُفتّت على وجه صينية كنافة شقراء، خرجت للتوّ من الفرن بعد أن أخذت نصيبها من شراب القطر الساخن.

فقرب مدخل سوق الخضار بشارع العودة في رفح جنوبي قطاع غزة؛ لا يمكن للمارّة تجاهل عبق تمازج السمن المغلي بجدائل شعر الكنافة المنبعثة من معمل "أبو طوق" للحلويات الشرقية، فيما يعتقد العاملون هناك أن ما ينتجونه اليوم، بالكاد يختلف عن مثيله قبل أشهر العدوان. 

فرغم ما مرّت به صناعة الحلوى في المدينة من مصاعب جمّة في وفرة المكونات الأساسية كالسكر والدقيق والسميد وغاز الطهي أحيانًا؛ إلا أن تلك المعامل حرصت على صناعة الحلويات في ظل الظروف القاهرة.

ففي رفح التي استقبلت أكثر من نصف عدد سكان قطاع غزة الذين فاقوا المليونين خلال أشهر العدوان؛ تنتشر بضع معامل للحلوى الشرقية، بالكاد تلبي تعطش أهل المدينة ونازحيها لبعض الحلا، علّه يكسر مُرّ الفقد والنزوح.

"أبو حسن"، (30 عامًا) مع إخوته الذين كانوا على موعد مع افتتاح "جوز ولوز" ظُهر السابع من أكتوبر الماضي؛ حوّلوا حلمهم إلى افتتاح معمل صغير في السوق لعرض كعك التمر بأشكاله المختلفة.

ويقول "أبو حسن"، لمراسل وكالة "صفا"، إن بدء العدوان الإسرائيلي لم يكن ليوقف حلمهم منذ بدايته ليوقفه الآن، إذ "مرّت أيام عصيبة لم يكن لدينا قطرة غاز، فيما كان يستحيل إكمال تجهيز الحلوى في أفران الحطب لعدم انتظام توزيع اللهب".

ويضيف صانع الكعك "كنّا مجبرين على التأقلم مع الظروف الأمنية الجارية لتوفير حاجة الآلاف من التواقين للحلوى".

 وشهدت رفح نقصًا حادًّا في المنتجات الغذائية، بينها منتجات السكر والحلوى، بعد مرور أسابيع قليلة على مجازر الاحتلال بالقطاع، ما اضطر معامل الحلويات لتدوير عجلاتها ولو بالحدّ الأدنى لتلبية الطلب الهائل. 

وخلال تلك الفترة المذكورة؛ اجتهدت مئات الأسر في انتاج حلوى "الغْرّيْبَة" و"المهلبيّة" بعد اختفاء أصناف الشوكولاتة والبسكويت والفاكهة من السوق المحلية، فيما انتشرت أصناف من بسكويت مدعّم بالفيتامينات، يقول مستفيدو وكالة الغوث إنه "سيء النكهة وأشبه بوصفة علاجية". 

"أبو حسن" الذي يُشرف أيضًا على تجهيز صواني حلوى "الكلاش" و"النمورة"، يقول إنه برغم آلام فقد الأحبة قتلاً وتشريدًا وهدمًا للمنازل "إلا أن تناول الحلوى صباح مساء يظلّ قائمًا في النفس البشرية حتى وإن عزفت عنها لأيام فسرعان ما تستأنف رحلتها مع الحلويات". 

زبونته شبه الدائمة رغد أبو مسامح تقول إنه "لا شيء يمكن أن يعوّض أو يمحو ما مرّت به حياتنا في النصف سنة الماضية من مآسٍ وأهوال، "لذا فتناول قطعة صغيرة من البسبوسة مع القهوة ليس سوى جرعة لتقويني لاستقبال متاعب نهارٍ جديد". 

مقابل مسجد العودة الشهير في رفح، بائع حلوى "العوّامة" (لقمة القاضي) إبراهيم وافي كان يغمس كريات حلواه في شراب القطر قبل وزنها وبيعها بعد توقفه ليومين خلال عيد الفطر الذي قال أهل المدينة إنه "لم يكن سعيدًا" جراء استمرار العدوان ودخوله شهره السابع. 

يقول وافي (42 عامًا)، لمراسل "صفا"، إن الإقبال على تناول الحلويات لدى الأهالي هنا أصبح مجرد روتين وكسرٍ لحالة القلق جراء التهديدات الإسرائيلية المتتابعة بأن اجتياح المدينة بات وشيكًا.

قرب ميدان زعرب الأشهر في رفح، نجح أحمد اليازحي في إعادة افتتاح معمله الذي تهدمت أفرعه في مدينة غزة، وتمكن من إنتاج نحو 10 أصنافٍ من الحلوى الشرقية.

ويقول اليازجي (40 عامًا): "إن ما شهده شعبنا من آلام ونزوح وتشريد وقتل ومرار لا يمكن أن يُمحى بأكثر أصناف الحلوى رفاهيةً، وسيبقى محفورًا في ذاكرتنا الفلسطينية".

أ ك/أ ج

/ تعليق عبر الفيس بوك

استمرار "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة