عند الساعة السابعة صباحًا، يتوافد مئات المواطنين عبر أحد الشوارع المؤدية إلى شاطئ البحر، ليبدؤوا ساعات من انتظار طائرات المساعدات التي اعتادت على إلقاء ما تحمله من مواد غذائية في المناطق الغربية شمالي غزة.
ومع اشتداد حصار الاحتلال الإسرائيلي على محافظتي غزة وشمالها وبعدما نهش الجوع أجساد أكثر من نصف مليون مواطن يقطنون فيهما، بدأت عدد من الدول عمليات إنزال جوي للقليل من المساعدات التي تشمل زجاجات مياه ومواد غذائية وصحية.
يحرص محمد إسماعيل الذي يدخل قريبًا عقده الرابع، وأب لأربعة أطفال، على قطع مسافة طويلة يوميًا سيرًا على الأقدام عله يظفر بأي مما تلقيه الطائرات.
يقول إسماعيل، لوكالة "صفا"، إن غياب المواد الغذائية من الأسواق، والارتفاع "الجنوني" لأسعار البدائل إن توفرت، أجبره على مشواره اليومي، إذ يفلح أحيانًا في جلب ما يخفف جوع أطفاله.
ملاحظات إسماعيل اليومية لحركة الطائرات زادت معرفته بمواعيد حركتها، إذ تصل الطائرة الأولى مع الثامنة صباحًا، تتبعها أخرى عند الحادية عشرة، وثالثة بعد الواحدة ظهرًا.
ويشير إلى أن طائرات المساعدات متعددة الجنسيات، أولها أردنية تصل ثلاث مرات أسبوعيًا وتلقي وجبات طعام ومواد غذائية، وثانية إماراتية وهي أكبر حجمًا وتلقي مساعدات أكثر تصل بشكل شبه يومي، وثالثة أمريكية تصل ثلاث مرات أسبوعيًا، وهي الأكبر حجمًا والأكثر عددًا من حيث إلقاء المناطيد (الباراشوتات أو المشاطيح كما يتداولها الغزيون)، ورابعة مصرية.
يتعرف إسماعيل ومن معه على الطائرات بناء على لونها وحجمها؛ فالطائرات العسكرية الأردنية تميل إلى اللون الجيشي، بينما الأمريكية يقترب لونها من الأسود، وهكذا بات لديهم دراية بهوية كل طائرة فور رؤيتها.
يقول الشاب إن المئات من مختلف الأعمار ينتظرون يوميًا في المناطق الغربية لمحافظتي غزة والشمال، التي تشمل مفترقات (بهلول، المقوسي، المخابرات، التوام، السودانية، الأمريكية) لأنها الأكثر حظًا في وصول المساعدات.
"يهبط بشكل شبه يومي هناك بعض المساعدات، لكن حال وصلت الطائرات الأمريكية نعرف أن عدد (المشاطيح) سيكون كبيرًا، وسنعود لأطفالنا برزق"، كما يقول اسماعيل.
يحتاج انتظار الطائرات الكثير من الصبر، والسرعة أيضا، فما إن تفتح الطائرة بابها الخلفي حتى تشخص أنظار المنتظرين لمراقبة حركة هبوط المناطيد، وبناءً عليها يهرعون تجاه أماكن سقوطها المتوقع.
يستعين الشبان بدراجاتهم الهوائية أو النارية و"التكاتك" والعربات للوصول بشكل أسرع إلى مكان هبوط المساعدات، لكن ذلك يحتاج إلى مهارة خاصة كما يقول إسماعيل، وهي سرعة الوصول للمنطاد فور هبوطه، والعمل على فكفكته سريعًا كي يتمكنون من الوصول لحمولته.
يعود عدد من المحاصَرين المُجوّعين بما تمكنوا من الوصول إليه من حليب أطفال أو تمور ووجبات طعام أو طحين وأرز، لكن الكثيرين أيضًا يعودون أدراجهم فارغي الأيدي بعد يوم طويل وشاق من الانتظار والركض خلف السراب، كما يصفه البعض.
يعرف إسماعيل جيدًا أن مشهد التدافع للوصول إلى المساعدات غير لائق، لكنه يبرر ذلك بأن "الناس جاعت"، ويسرد بعض المشاهد التي تدمي القلب عقب إصابة الكثير من المواطنين نتيجة التدافع، وسقوط البعض أرضًا ودوسهم من أرجل الراكضين بحثا عن الطعام.
مؤخرًا، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن وفاة 18 شخصا خلال ساعات، 12 منهم قضوا غرقا بعدما اضطروا للسباحة للوصول إلى المناطيد التي سقطت في البحر، وستة آخرين نتيجة التدافع للوصول إليها.
وقبل ذلك قضى عدد آخر بعدما سقطت المناطيد على رؤوسهم بعد خلل أصابها خلال عمليات الإنزال.
يعتقد الكثيرون ممن تكرر وصولهم إلى أماكن الإنزال الجوي أن ما تلقيه الطائرات من مساعدات، لا يسمن ولا يغني من جوع، لكنها حاجة المضطر الذي يرزح تحت الحرب والتجويع منذ ستة أشهر.
ورغم أنهم قالوا قديمًا إن "الغريق يتعلق بقشة" عله ينجو من الموت، لكن الآن يتعلق الجوعى في الهواء علهم يظفرون بشيء مما تلقيه الطائرات عليهم.