منذ تسعة أيام متتالية، لم يتوقف جيش الاحتلال الإسرائيلي عن ارتكاب جرائم مروعة بحق المانتقامحاصرين داخل مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة ومحيطه، مخلفًا عشرات الشهداء والجرحى، فضلًا عن نسف وإحراق عشرات المنازل.
إعدامات ميدانية وعمليات تنكيل وتعذيب تعد الأكثر وحشية، واعتقالات واسعة بحق المواطنين والمحاصرين من النازحين والمرضى والطواقم الطبية، هكذا يبدو المشهد داخل المجمع ومحيطه منذ اقتحامه من جيش الاحتلال الاثنين الماضي.
وتفرض قوات الاحتلال حصارًا مشددًا على المستشفى، وتمنع إدخال الطعام والمياه للمحاصرين داخله، والذين بات الموت يتهددهم كل لحظة، خاصة بعد استشهاد عدد من الجرحى المحاصرين.
ويعاني المحاصرون ظروفًا إنسانية وصحية مأساوية للغاية، وسط مناشدات متواصلة للصليب الأحمر والمنظمات الدولية بضرورة التدخل العاجل لإنقاذهم فورًا، لكن دون جدوى.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو نشرها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إحراق قوات الاحتلال أجزاء من مبنى الجراحات التخصصية، وقسم الشرايين، بالإضافة إلى مخازن الأدوية داخل مجمع الشفاء.
واحتجزت قوات الاحتلال، كما أعلنت وزارة الصحة بغزة، نحو 240 مريضًا ومرافقيهم، وعدد من الطواقم الطبية في مركز الأمير نايف دون أي رعاية أو خدمات صحية.
ولم يكن هذا الاقتحام الأول للمجمع الطبي منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، بل سبق وأن اقتحمته قوات الاحتلال في 15 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، وسط حصار استمر أسبوعًا، جرى خلاله قطع الكهرباء والماء عنه، وتدمير أجزاء من ساحاته ومبانيه ومعداته الطبية.
انتقام وإبادة
المختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة يرى أن ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي من اقتحام لمجمع الشفاء الطبي وارتكاب جرائم بشعة بحق المحاصرين والطواقم الطبية والمرضى يؤكد رغبته وإصراره على مواصلة سياسة الانتقام من الفلسطينيين في غزة.
ويقول هلسة، في حديث لوكالة "صفا": إن "إسرائيل كسرت بهذا الإجرام كل الخطوط الحمر في علاقتها مع الآخر، وتجاوزت القوانين الدولية والحدود الأخلاقية والدينية والقانونية كافة بهدف تحقيق هدف مهم لدى الإسرائيليين وهو مسح صورة الهزيمة التي مُنيت بها في السابع من أكتوبر، وأيضًا مسح صورة الانتصار من وعي الفلسطينيين والعرب والمسلمين من خلال شلال الدم وارتكاب المجازر".
ومن وجهة نظره؛ فإن "الاستهداف المتكرر للمؤسسات الصحية والمستشفيات في غزة يهدف لإثقال الحمل على المقاومة، ومحاولة ضربها في خاصرتها، لأن إسرائيل تعتقد أنها حين تُوغل في القتل والتدمير فإن ذلك يسهم في خفض شروط المقاومة وتسريع رفعها للراية وانكسارها".
ويضيف أن "إسرائيل فشلت في تحقيق أي إنجازات عسكرية كبيرة تقدمها لمجتمعها وحتى أهدافها الاستراتيجية التي ظلت تُنادي بها منذ بداية الحرب لم تتحقق، لذلك تلجأ لاستهداف مستشفى الشفاء، وغيرها من مشافي القطاع".
ضغط ممنهج
ومنذ السابع من أكتوبر، وقوات الاحتلال تُمعن في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، ومحاولة تهجيرهم، في ظل غياب أي مساءلة دولية حقيقية على جرائمها، واستمرار الفشل الدولي في حماية الفلسطينيين.
ويسعى جيش الاحتلال، كما يعتقد هلسة، إلى "محاولة الضغط على المقاومة لأجل تقديم المزيد من التنازلات لمصلحة إسرائيل بهدف تخفيف الأثمان التي يمكن أن تدفعها خلال المفاوضات المتعلقة بصفقة تبادل الأسرى، وكذلك تعويد المجتمع الإسرائيلي المتعطش للدماء على صورة القتل والإجرام".
ولتبرير جرائمه بحق مستشفى الشفاء ومحيطه، يوضح المختص في الشأن الإسرائيلي أن "الاحتلال تعمد شيطنة المؤسسات الصحية والطبية وتصويرها على أنها تُستخدم في قتل جنوده عبر الادعاء بوجود قيادات عسكرية داخل المجمع واستخدامه من المقاومة، ما يسهل عليه ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية".
ويؤكد أن الاحتلال عمل على خلق المبررات، وحاول نزع صفة الشرعية عن المستشفى بأنه محمي بموجب القانون الدولي، بالادعاء باستخدامه كمقر لإدارة الحرب وشؤون الناس، بغية تحقيق أهدافه وارتكاب المزيد من الجرائم اللا إنسانية بحق أهالي غزة والطواقم الطبية والمرضى.