يقطع الشقيقان أنس وأسامة الغول يوميا نحو 700 متر سيرا على الأقدام للوصول إلى البئر الوحيدة الموجودة في مربعهم السكني بمخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، من أجل تعبئة غالونات بلاستيكية من المياه اللازمة للاستخدامات المنزلية.
وبات الحصول على مياه مهمة يومية شاقة بالنسبة لغالبية الغزيين، وتبدو هذه المهمة أكثر تعقيدا بالنسبة لهم في شمال القطاع، جراء التدمير الهائل الذي تسببت فيه الغارات الجوية الإسرائيلية للبنية التحتية، بما فيها آبار المياه ومحطات التحلية.
ويتكفل أنس (18 عاما) بتوفير المياه المالحة الخاصة بالنظافة والاستخدامات المنزلية، أما شقيقه الأصغر أسامة (14 عاما) فمهمته توفير المياه العذبة للشرب، غير أن والدهما يسري يحسم الأمر ويقول "نحاول أن نقنع أنفسنا بمياه مالحة وأخرى حلوة، والحقيقة أن كل المياه التي نستخدمها في قطاع غزة لا تصلح للاستخدام الحيواني".
ووصل الحال بيسري النازح بأسرته في منزل بمخيم الشاطئ على مقربة من البحر إلى اللجوء للتيمم من أجل أداء الصلوات، في ظل أزمة مياه حادة تواجه سكان المدينة وشمالها، بسبب دمار غالبية الآبار، وعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل ما تبقى من آبار قليلة.
ويقول يسري الذي يعيل أسرة من 5 أفراد -في حديث للجزيرة نت- "نعاني أزمة مياه حادة وقاتلة، وأرى الرجال والنساء يخاطرون بأنفسهم للوصول إلى البحر لجلب المياه لمنازلهم".
وتعمل البئر التي تتزود منها أسرة يسري والجيران بالمياه على الطاقة الشمسية، ويحصلون على حاجتهم من المياه بالمجان، إلا إذا استدعت الحالة الجوية تشغيل البئر بواسطة مولد يعمل بالوقود، فحينها تكون تكلفة التشغيل تشاركية بين السكان، لندرة الوقود وارتفاع سعره.
وحسب يسري، فإن "مثل هذه الآبار الشخصية باتت المصدر الوحيد للمياه بالنسبة لغالبية سكان المدينة، من أجل استخدامها في النظافة الشخصية، والاستخدامات المنزلية الأخرى"، أما المياه العذبة فالحصول عليها مهمة أكثر تعقيدا، حسب وصف يسري، ويوضح أن محطات تجارية قليلة عادت للعمل، ولكن المياه ليست جيدة وبحاجة لإعادة تكرير، وتقف أزمة الوقود عائقا أمام ذلك.
تدمير ممنهج
منذ الساعات الأولى للحرب على القطاع، أظهرت "إسرائيل" أنها لن تكون حربا كسابقاتها، فأدخلت المياه كسلاح للفتك بالغزيين، وقطعت عنهم إمدادات شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت"، وعمدت بشكل ممنهج إلى تدمير مصادر المياه المحلية من آبار ومحطات تحلية، خاصة في مدينة غزة، كبرى مدن القطاع.
وفي نطاق بلدية غزة، حسب ما ذكر المتحدث باسمها حسني مهنا للجزيرة نت، فقد شمل التدمير 40 بئرا من أصل 76 بئرا تقريبا، و9 خزانات للمياه بشكل كلي وجزئي، و42 ألف متر طولي من شبكات المياه، و500 محبس.
وتقلصت حصة الفرد من المياه إلى لترين فقط يوميا، بعد أن كانت تصل إلى 90 لترا قبل اندلاع الحرب، وسبب ذلك -وفقا لمهنا- "الدمار والأضرار الكبيرة التي لحقت بمرافق وشبكات المياه"، وقال إن البلدية تقوم حاليا بتشغيل آبار قليلة لساعات محدودة كلما توفر الوقود.
مصادر مياه غزة
وقبل اندلاع الحرب، كانت بلدية غزة تقدم خدماتها لنحو 700 ألف نسمة، ويرتفع العدد لمليون نسمة نهارا، في حين يقيم بها حاليا أقل من نصف مليون بقليل -حسب تقدير مهنا- يمثلون سكانها وأسرا نازحة إليها من مناطق أخرى.
ويوضح مهنا أن المياه في المدينة تتوفر من 3 مصادر رئيسية: خط شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" الذي يغذي المدينة بنحو 25% من احتياجاتها من مياه الشرب، وقد أوقفها الاحتلال في بداية الحرب، والمصدر الثاني هو الآبار الجوفية التي تغذي المدينة بنحو 65% من احتياجاتها، لكن الاحتلال دمر نحو 40 بئرا منها كانت تنتج نحو 60% من إجمالي مياه المدينة، وباقي الكمية يصعب إنتاجها في ظل نفاد الوقود اللازم لتشغيل الآبار.
أما المصدر الثالث، فهو محطة التحلية شمال غزة التي تغذي المدينة بنحو 10% من احتياجاتها اليومية، وقد استهدفها الاحتلال ومحيطها مما أدى إلى خروجها عن الخدمة.
صورة قاتمة
وفي مدينة رفح أصغر مدن القطاع التي تؤوي نحو 1.3 مليون نسمة من سكانها والنازحين إليها، تبدو الصورة قاتمة، وتكافح بلديتها من أجل إيصال المياه إلى المنازل، وفق برنامج توزيع أسبوعي، بحيث تصل المياه إلى كل منطقة مرة واحدة أسبوعيا لساعات محدودة.
ويقول حمزة أبو مصطفى -وهو نازح من مدينة خان يونس يقيم لدى قريبه بمخيم الشابورة- إن المياه تصل ضعيفة مرة واحدة أسبوعيا، ولا يستطيعون تعبئة الخزانات، وهي مياه شديدة الملوحة ويقتصر استخدامها على الاستخدامات المنزلية.
أما المياه العذبة، فيجلبها حمزة من محطة تحلية مجانية، ويقول للجزيرة نت إنه يحمل بضع غالونات يوميا على عربة يدوية ويذهب بها للمحطة التي تبعد عنه نحو 400 متر من أجل تعبئتها للشرب والطهي.
وبشكل أساسي تعتمد رفح على المياه الجوفية، ويقول رئيس البلدية أحمد الصوفي للجزيرة نت إن هناك عجزا دائما في الخزان الجوفي يقدر بـ40%، وحاليا تعاني المدينة عجزا يتجاوز 70% في إمدادات المياه للمنازل.
وسبب هذا العجز -بحسب الصوفي- هو أن كثيرا من الآبار خرجت عن الخدمة بسبب الملوحة الشديدة، جراء وقوع الخزان الجوفي بالمدينة أسفل مستوى مياه البحر، فضلا عن العجز الكبير في المياه العذبة، ويصف رئيس البلدية الوضع المائي الحالي بالكارثي، بحيث لا تتجاوز حصة الفرد الواحد 10 لترات يوميا، وهي أقل بـ10% من المعدل الدولي المتعارف عليه.
والحال في مدينتي رفح وغزة تنسحب على باقي القطاع، حيث أزمة المياه مستفحلة منذ سنوات طويلة جراء قيود الحصار والحروب المتكررة، وتردي البنية التحتية.
ويحتاج الغزيون (نحو 2.2 مليون نسمة) 3 ملايين لتر يوميا من المياه، ولها 3 مصادر رئيسية، وهي وفق ما حددها للجزيرة نت المهندس زهدي الغريز مساعد رئيس لجنة الطوارئ المركزية: الآبار الجوفية التي نحو 97 إلى 99% منها غير صالحة بالمطلق للاستخدام البشري نظرا لشدة ملوحتها، وخطوط شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت) التي تضخ 18 مليون متر مكعب بالسنة من المياه العذبة، ومحطات التحلية الثلاث في شمال القطاع ووسطه، التي تنتج مجتمعة من 4 إلى 5 ملايين متر مكعب بالسنة من المياه العذبة.
وقال الغريز إن 22 مليون متر مكعب تنتجها المصادر الثلاثة لا تفي بحاجة السكان الذين يسدون النقص باستخدام مياه غير صالحة من الآبار الجوفية، سواء التابعة للبلديات أو الشخصية، ومع اندلاع الحرب تعمقت الأزمة مع قطع الاحتلال الإمدادات المائية واستهداف الآبار ومحطات التحلية.
المصدر : الجزيرة