داخل مبنى قديم في أزقة البلدة القديمة بمدينة القدس الشرقية، يعمل موظفون من دائرة الأوقاف الإسلامية على إعداد وجبات ساخنة تحتوي على الأرز واللحوم والخضروات.
لا يتوقف العمل في تكية "خاصكي سلطان" طيلة أيام السنة، لكن المكان يكتسب زخما خاصا في شهر رمضان، فيزداد عدد مرتاديه أضعافا مضاعفة.
وبالنسبة لمئات الفقراء في البلدة القديمة ومحيطها، تعد التكية التي أسستها السلطانة روكسيلانة (خُرَّم سلطان 1502- 1558 ميلادي) زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني، ملجأهم في أيام الشدة منذ عقود.
وتقدر أعداد الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية بنحو 370 ألفا، تعيش نسبة كبيرة جدا منهم تحت خط الفقر، بسبب ارتفاع مستوى المعيشة.
بسام أبو لبدة، مشرف التكية في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، قال للأناضول إن التكية أنشئت في القدس منذ نحو 500 عام تقريبا باسم "خاصكي سلطان" زوجة القانوني.
وأضاف: "تقع التكية في مبنى مملوكي وتبعد عن المسجد الأقصى المبارك حوالي 200 متر، وكانت وما زالت تقدم الوجبات الساخنة لرواد المسجد الأقصى والعائلات الفقيرة في القدس وضواحيها".
تراجع اقتصادي جراء حرب غزة
تشير تقديرات عديدة إلى انخفاض كبير بالقوة الشرائية في المدينة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث فقد العديد من العمال أماكن عملهم من جهة، وارتفاع مستمر في أسعار المواد الاستهلاكية من جهة أخرى.
وأشار أبو لبدة إلى أن ظروف الحرب والضائقة الاقتصادية التي تزداد حدة في القدس جعلت الحاجة إلى التكية أكثر إلحاحا وخصوصا في شهر رمضان.
وتابع: "ما تمر به فلسطين نتيجة الحرب والعدوان الإسرائيلي على أهلنا وشعبنا في قطاع غزة، انعكس سلبا على مدينة القدس حيث أغلقت العديد من المحال التجارية".
وتعتمد مدينة القدس الشرقية بشكل أساسي على الحركة السياحية ووفود المصلين إلى المسجد الأقصى.
لكن الحرب على غزة أوقفت بشكل كامل الحركة السياحية إلى القدس، فيما تحول القيود الإسرائيلية دون وصول المصلين من الضفة الغربية إلى المدينة، ما أدى إلى كساد كبير بالحركة الاقتصادية.
وقال أبو لبدة: "عدم حضور السياح ورواد المسجد الأقصى بسبب الإجراءات الإسرائيلية ألقى بظلاله على مجمل الأوضاع الاقتصادية في مدينة القدس".
وأضاف: "تعتمد القدس على السياحة الأجنبية والإسلامية وعلى زوار المسجد الأقصى، لكن الحرب أدت إلى ضعف القوة الشرائية وبالتالي ازدياد عدد العائلات الفقيرة".
وأردف: "ونتيجة لذلك، قمنا بزيادة كميات الطعام في التكية لتوفير وجبات ساخنة يوميا لأكبر عدد ممكن من الفقراء، حيث ترعى التكية في رمضان أكثر من 500 فرد يوميا".
وفي الأيام العادية في غير شهر رمضان يزيد عدد المستفيدين يوميا عن 100 شخص، ويتم توزيع الوجبات في ساعات ما بعد الظهر.
ويصل الفقراء والمحتاجين إلى التكية، ومعهم أطباقا وأوان لأخذ الوجبات الساخنة فيها، والتي تشمل اللحوم أو الدجاج إضافة الى الأرز.
أوقاف وتبرعات للتمويل
وعند تأسيسها عام 1552، أوقفت السلطانة العثمانية ريع أملاك أكثر من 90 مدينة وقرية لصالح تكية "خاصكي سلطان".
لكنها اليوم، تعتمد في تمويلها لتوفير الطعام على بعض المحسنين ودائرة الأوقاف الإسلامية ووزارة الأوقاف في الأردن.
وقال أبو لبدة: "دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس مسؤولة مباشرة عن هذه التكية، وهناك أشخاص أو مؤسسات مجتمعية تتبرع للتكية، ونحن نستقبل أي تبرع مادي أو عيني من خلال دائرة الأوقاف الإسلامية".
وأقامت الدولة العثمانية العديد من التكايا التي تقدم الطعام للفقراء في عدد من المدن في فلسطين، وتعتبر "خاصكي سلطان" أهمها.
ورغم 472 عاما على إنشائها، لم تتوقف تكية "خاصكي سلطان" عن تقديم الطعام الساخن للفقراء.
ويضم بناء التكية مطبخا وفرنا وقاعة كبيرة لتناول الطعام وغرفا لتخزين المواد التموينية، وخانا قديما كان اصطبلا للخيول وأُلحق به فيما بعد مسجد، أمرت ببنائه زوجة السلطان.
ووصف المؤرخ عارف العارف، في كتابه "المفصل في تاريخ القدس" التكية بأنها "من خيرة الأماكن الخيرية التي أنشأها الأتراك العثمانيون بالقدس، إذ منذ تأسيسها إلى الآن يُقدم المشرفون عليها الغذاء لعدد كبير من الفقراء مجانا، وفي كل يوم".
وأضاف أن "نفقات التكية، كانت تُدفع من ريع الأملاك التي أوقفتها السلطة لصالح التكية".
ومنذ عقود، تشرف على التكية دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية.
وتعتبر التكية أهم مرفد اقتصادي للفقراء في القدس، وخاصة من يعيشون بجوار المسجد الأقصى وفي البلدة القديمة.