web site counter

هل تستعمل حكومة بريطانيا مفهوم “التطرف” للتضييق على أنصار فلسطين؟

لندن - صفا

أثار التعريف الجديد الذي وضعته الحكومة البريطانية للتطرف كثيرا من الجدل في صفوف السياسيين والحقوقيين، وذلك بعد أن قررت حكومة ريشي سوناك المحافظة إصدار تعريف جديد للتطرف، سيقوم على أساسه تصنيف المنظمات والمؤسسات إن كانت متطرفة أم لا.

وأعلن وزير الدولة لشؤون التنمية الاقتصادية والإسكان والمجتمعات مايكل غوف -اليوم السبت- أمام أعضاء مجلس العموم (البرلمان) عن خطة الحكومة الجديدة لمواجهة ما تسميه "التطرف"، والذي يستهدف مؤسسات إسلامية وأخرى مدافعة عن العدالة من أجل فلسطين إلى جانب مؤسسات من اليمين المتطرف.

ورغم كل التحذيرات التي أطلقها حقوقيون ومسؤولون سابقون في مجال مكافحة التطرف، فإن حكومة سوناك أصرت على إطلاق هذه الخطة المثيرة للجدل، التي يرى كثيرون أن الهدف منها هو التضييق على عمل المؤسسات الداعمة لفلسطين، التي تقف خلف الحشود وتنظيم المظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غزة.

تعريف فضفاض

حسب التعريف الجديد الذي وضعته الحكومة، فإن التطرف هو "الترويج أو الترافع لصالح أيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية، أو عدم التسامح، وذلك بهدف إبطال أو تدمير الحقوق الأساسية لبقية المواطنين.

تقويض نظام المملكة المتحدة المبني على الديمقراطية والليبرالية والحقوق الديمقراطية أو ازدرائه أو السعي لقلبه.

السعي لخلق بيئة تساعد الآخرين على تحقيق الأهداف السابق ذكرها".

ويختلف هذا التعريف عن التعريف المعتمد في بريطانيا منذ سنة 2011، الذي كان يقول إنه "لا يمكن وسم شخص أو مجموعة بالتطرف، إلا في حال التعبير صراحة أو عن طريق القيام بأفعال تخالف القيم البريطانية، المتعلقة بالديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل واحترام التنوع الديني والثقافي".

وحسب التعريف الجديد، فإن أي مؤسسة يتم وسمها بالتطرف لن يكون لها الحق في استئناف هذا القرار، كما سيتم منع كل الموظفين الحكوميين والمؤسسات الحكومية من التعامل معها أو الانخراط فيها أو المشاركة في أنشطتها.

وأعلن وزير الدولة مايكل غوف عن قائمة أولية للمؤسسات التي سيتم وسمها بأنها متطرفة، من بينها منظمات نازية وأخرى تنتمي لليمين المتطرف، بينما قال إنه وضع على قائمة المراقبة مؤسسات كلها إسلامية، ويتعلق الأمر بمنظمة "كيج" (CAGE) التي تعمل في مجال الدفاع عن ضحايا الإسلاموفوبيا وضحايا الحرب على الإرهاب، وكذلك جمعية مسلمي بريطانيا (MAB).

محاولة للإسكات

من جهته، يرى رئيس مؤسسة "أصدقاء الأقصى" إسماعيل باتيل، الذي تعتبر مؤسسته من أكبر المساهمين في تنظيم المظاهرات المؤيدة لفلسطين في بريطانيا، أن "الغرض من هذه الخطة هو إسكاتنا، عبر فرض هذا التعريف الفضفاض والمثير للشكوك للتطرف، وهذا يؤكد أن هذه الحكومة تنحو في اتجاه قمعي وشمولي يرفض أي رأي مخالف، وهذا يهدد بشكل صريح أسس الديمقراطية البريطانية المبنية على احترام تعددية الآراء وحرية التعبير".

واعتبر باتيل -في حديثه مع الجزيرة نت- أن "الحكومة البريطانية فقدت كل أوراقها لمنع حملات الدعم المساندة للفلسطينيين، والمنددة بالإبادة الجماعية التي يتعرضون لها في قطاع غزة"، مضيفا أن "خطوتها هذه دليل فشلها في إقناع الرأي العام البريطاني بالحجج التي تقدمها لدعم الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما يبدو واضحا في تزايد حجم الدعم واستمراره على مدى الأشهر الماضية".

ومع رواج أنباء أن منظمته من بين المنظمات المهددة بخطة الحكومة الجديدة حول التطرف، أكد باتيل أن "الحكومة تحاول تخويف المؤيدين للقضية الفلسطينية عبر وصمهم بالتطرف ودعم الإرهاب، وسنعمل على رفض هذا التعريف الذي يهدف في الأساس للتضييق على المنظمات الإسلامية، وسنلجأ للقضاء".

وعبّر عن عزمه على الاستمرار في جهود الحشد للتظاهر "دعما لفلسطين، ورفضا لمواصلة إسرائيل حملة الإبادة الجماعية ضد الأبرياء، وأعتقد أن باستطاعتنا إقناع الرأي العام البريطاني بذلك، حيث تتسع قاعدة الدعم لنا".

قمع التضامن مع فلسطين

بالنسبة للبروفيسور جون إلوود الخبير في سياسات محاربة التطرف والإرهاب في جامعة نوثنغهام، فإن الحكومة ستحاول من خلال هذا التعريف مواجهة الحركة الطلابية المؤيدة لفلسطين، ولن يقتصر الأمر فقط على المنظمات، وقال "ستحاول الحكومة منع التظاهرات الطلابية المؤيدة لفلسطين عبر فرض هذا التعريف".

وشدد على أن الحكومة "تحاول قمع والتضييق على الحراك المدني الداعم للفلسطينيين، الذي تنامى خصوصا في صفوف الطلاب، في محاولة من الحكومة لفرض تصورها ورؤيتها على الآراء المخالفة لها".

واستغرب الأكاديمي البريطاني التعريف الذي قدمته الحكومة عن التطرف، "فعلى الرغم من أنه يدّعي حماية الديمقراطية الليبرالية البريطانية، فإنه في جوهره تعريف غير ليبرالي، يحاول أن يقمع مشاركة الأقليات المسلمة في بريطانيا بالحياة السياسية، ويهدد تمثيليتها في النقاش العام، وهذا يشكل تهديدا للديمقراطية البريطانية المبنية في الأساس على هذا التنوع، وهذا ممكن أن يمتد للتضييق على تظاهرات وحراكات اجتماعية أخرى، كالحراك المناهض للتغيرات المناخية".

وعبر البروفيسور إلوون عن مخاوفه من أن يشكل هذا التعريف "خطرا كبيرا على المشاركة في الحياة السياسية البريطانية، والسماح للأصوات المعارضة بالتعبير عن آرائها بحرية".

محاولة فاشلة

من جهتها، ردت مؤسسة "كيج" وبشكل قوي على خطة الحكومة الجديدة لمحاربة التطرف، مؤكدة أنها ستلجأ للقضاء من أجل الطعن على هذه الخطة التي وصفتها بأنها "محاولة فاشلة، واستمرار في فشل الحكومة في مكافحة التطرف الحقيقي، رغم كثرة البرامج والخطط".

وفي تصريح للجزيرة نت، قالت المؤسسة -التي ذكر الوزير مايكل أنها من المؤسسات المهددة بأن توضع في خانة التطرف- إنها ترفض خطة الحكومة الجديدة، "لأنها لن تؤدي إلا إلى استخدام السلطات القمعية للدولة، من دون وجود أي إجراءات قانونية لاستئناف هذه القرارات، في ظل غياب أي رقابة قضائية".

وأكدت المؤسسة أنها سوف تستمر في "الانخراط في النشاط السياسي والاحتجاج والعمل المباشر من أجل الصالح العام، خارج القيود الضيقة التي يفرضها هذا التعريف الجديد".

المصدر : الجزيرة

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام