لطالما كانت الحياة في قطاع غزة صعبةً في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق الذي ألقى بظلاله على مناحي الحياة كافة وزادها صعوبة؛ لكن يواجه الأهالي في هذه الأيام فصول معاناة لم يتخيلوها من قبل بفعل حرب الإبادة الجماعية المستمرة للشهر السادس على التوالي، إذ حرموا أبسط حقوقهم من مأكل ومشرب وعلاج وحتى مكان آمن يلجأون إليه.
"لا يوجد كلمات تصف كم كانت حياتنا في غزة- تلك المنطقة التي مزقتها الحرب- صعبة جدًا في بناء المستقبل وتحقيق الأحلام؛ بسبب الظروف التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي والحروب المتكررة"، بهذه الكلمات عبّر الشاب يوسف أبو سعيد عن حاله وحال الكثير من الشباب بغزة.
رغم ذلك لم ييأس أبو سعيد (27 عامًا)، بل بذل قصارى جهده في تطوير نفسه حتى عمل بمجال تصوير الفيديو والمنتجات الدعائية، إلى أن أصبح على بعد خطوة من إكمال بناء حلمه ومستقبله، لكن جاءت حرب الإبادة وحرقت كل شيء.
"بدأت معاناتي النفسية منذ الساعات الأولى للعدوان الإسرائيلي، إذ كان كل تفكيري يدور حول المدة الزمنية التي يمكن أن تمكثها الحرب، وهل من الممكن أن تتوقف المشافي عن تقديم العلاج ولا أستطيع إكمال علاجي"، يقول أبو سعيد.
لكن سرعان ما كان الجواب سريعًا على تساؤلات يوسف، باستهداف المستشفى التركي، الوحيد الذي يقدم الخدمات لمرضى السرطان في غزة، وهنا بدأت معاناته الحقيقية، فأصبح مريضًا بلا مشفى يعالجه.
ويضيف، لوكالة "صفا"، "تأثير الحرب كان كبيراً جداً، حيث أمضيت 146 يوماً دون علاج ومسكنات ورعاية صحية، حتى دون غذاء صحي وماء للشرب".
بجانب المرض وفقدان العلاج، تجددت فصول معاناة العشريني إلى أن أصبح نازحاً من مكان إلى آخر دون منزل يؤويه وعائلته، بعدما استهدفت طائرات الاحتلال منزلهم ودمرت كل ما يملكون.
"تعرّضت لنكسات مرضية متكررة بسبب التكدس السكاني والنزوح مرة تلو الأخرى، لكنني لم أستطع أن أظهر مرضي وتعبي؛ لأحافظ على رباطة جأشي وعزيمة والدتي التي لم تكن تستطيع تحمل ذلك"، بكل حزن يعبّر أبو السعيد.
حاول يوسف العديد من المرات السفر عن طريق كشوفات المرضى، لكن لم يساعده أحد للخروج واستكمال العلاج، رغم ذلك ظل محافظًا على قوته ومعنويته العالية بمساندة عائلته وأصدقائه، حتى استطاع السفر أخيراً ليبدأ مراحل علاجه من جديد.
وفي ظل الظروف الراهنة الصعبة للغاية في غزة، يتساءل العشريني بعد تدمير الاحتلال منزله وحلمه: "كم مرة يجب علينا أن نبدأ حياتنا من الصفر!".
وتمنى أبو سعيد أن تقف الحرب على غزة بأسرع وقت، وأن يبذل العالم العربي والإسلامي والغربي جهوداً حقيقية لوقف هذه الإبادة.
ويضيف "لا يوجد حلم أعظم وأجمل من عودتي إلى غزة بين أهلي وأصدقائي وهي بكل خير وأفضل من ذي قبل".
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 31 ألف مواطن، وأصيب نحو 73 ألفًا، 72% منهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة، عدا عن تدمير نحو ثلثي المباني السكنية، والبنية التحتية والخدمية، والمنشآت الاقتصادية.