web site counter

البحر في غزة يفقد صفته الشهيرة

رفح - خــاص صفا

"الرمال الذهبية"، "الأصداف الشاطئية، "المظلات الملونة"، "مقاهي المرطبات" كلها كانت بضعًا من سمات شاطئ بحر قطاع غزة الذي استأثر لعقود بلقب "المتنفس الوحيد" لأكثر من مليوني نسمة جراء الحصار المطبق طوال تلك الفترة.

لكن هذا الشاطئ، فقد تلك الأوصاف منذ نحو 22 أسبوعًا في عدوان لم يبق ولم يذر، أجبر عشرات الآلاف على الهروب بما تمكنوا من حمله إلى شاطئ بحر رفح الذي لم يجدوا فيه احتضانًا، لطالما عهدوه سابقًا.

فالبوارج الحربية التابعة لجيش الاحتلال التي تُرى على بعد أميال في أفق البحر، وأزيز المقاتلات الحربية، نزعت صفتي "المأمن" و"الملاذ" لسكان شاطئه الجدد.

ويعرف عن شاطئ بحر رفح أنه متنفس وحيد لأهالي المحافظة الساحلية، في مدينة تفتقر أصلا للمتنزهات والحدائق وانعدام المراكز الترفيهية كدور السينما والملاعب الرياضية لمن لا يعرف هذه المدينة الملاصقة للحدود المصرية.

في الجوار، كان دخان قاتم ينبعث من وسط مئات الخيام المكتظة بساكنيها، فيما تطعم شوقية الدردساوي (٥٥ عامًا)، موقدها الطيني بما جمعته من حطام خشبي صغير وزجاجات بلاستيكية فارغة وورق مقوى؛ لتخبز بضع أرغفة من دقيق القمح لأحفادها.

شوقية، التي امتلأ جبينها الشاحب بقطرات العرق، بدت ضجرة من مهمتها اليومية تلك، فندرة ما تجده من وقيد لتشعل فرنها وتزاحم أحفادها الذين لا يأبهون بعجينها غير المختمر وأضف إلى ذلك ظروف النزوح القسري، كله صنع منها جدة "حادة الطباع" كما تصف نفسها مؤخرًا.

وتقول في حديثها لمراسل وكالة "صفا": "أجبرنا جيش الاحتلال على النزوح إلى ثمانية ملاجئ منذ بدء العدوان، بدءا من منزلنا بحي الزيتون في غزة وانتهاء على رمل بحر رفح، في رحلة مأساوية استمرت لأشهر".

وتضيف شوقية، التي لا تعلم عن حال منزلها في الحي إذا ما طالته مخالب جرافات الاحتلال، أن البحر أصبح موحشا ومكانا للقلق خصوصا مع حلول الليل، إذ "نسمع أصوات طلقات النيران القادمة من البحر الهائج ونموت ذعرًا خشية أن يصيب أحفادي مكروها".

هواجس القلق تلك، يشاركها فيها زوجها عوني الذي لم يشح بوجهه عن ماء البحر الذي لم يحبه أصلا إثر نجاته من الغرق بأعجوبة في طفولته.

عوني، الذي يكبر الجدة الخبازة بخمس أعوام، يقول إن البحر كان رفيق الشعراء والعشاق، "لكنه الآن ساحة لمن نزلت به النوازل، ولا يؤمن جانبه مع دخول العدوان شهره الخامس".

ويقول الجد، الذي حفرت السنون أخاديدها على وجنتيه، إنه يُحدّث نفسه في كل لحظة عن ساعة العودة المنتظرة إلى منزله في "الزيتون"، الذي يشهد معارك ضارية ما بين جيش الاحتلال وعناصر المقاومة العنيدة في الحي.

على بعد ياردات من الأحفاد المشاكسين، افترش أبو محمد تلة رملية صغيرة أمام الخيام حاملًا عودًا يخط به رسمًا مبهمًا على الرمل المختلط بحبات الصدف.

العجوز ذو العقد السابع، الذي كان يوما مزارع عنب في الداخل المحتل، تساءل قهرًا عن ذنب أولئك الصبية للنوم في خيام على الشاطئ.

ويضيف "كانوا يفعلونها شغفًا وحبًا ليناموا في خيام مؤجرة في عطلات الصيف، أما اليوم فينامون هنا قهرًا وظلمًا وقسرًا".

على الرصيف المحاذي للشاطئ، اختفى بائعو أعواد الذرة والبطاطا الحلوة المشويتين على الفحم، وتلاشى ضجيج مكبرات الصوت لباعة المثلجات المنكهة بالليمون والمانجو الذين يتحلق حولهم الأطفال العطشين لكل ما يشتهون، أما اليوم فلا يوجد هؤلاء سوى بضع باعة البسكويت سيء النكهة الذي توزعه مراكز وكالة الغوث.

عودة إلى قرب الموج، جلست آمنة عيسى ابنة المدينة على كرسي جلبته من خيمتها برفقة قريبتها النازحة من حي النصر المباد بغزة، ولم يكن معهما ما يسلي وحدتهما كمرطبات أو حفنة من الفول السوداني الشهير بتناوله على الشاطئ.

تقول آمنة (٤٠ عاما) التي تعمل مدربة للرياضة النسائية إن البحر كان ملجأها الوحيد أيام تسربها من محاضرات الكلية ومؤنسها الأوحد إذا ما ضجرت، أما الآن فلم يعد النظر إليه يبعث على الأمل.

"طالت شهور العدوان، فيما الخوف من القادم هو كل ما يدور في رأسي، وليس أقلها من مسيرة (كواد كابتر) التي قد ترتكب مجزرة فجأة"، ختمت آمنة.

4_IMG-20240306-WA0058_watermark_الأربعاء_06032024_172413.jpg

3_IMG-20240306-WA0060_watermark_الأربعاء_06032024_172413.jpg

5_IMG-20240306-WA0062_watermark_الأربعاء_06032024_172413.jpg

6_IMG-20240306-WA0057_watermark_الأربعاء_06032024_172413.jpg

7_IMG-20240306-WA0056_watermark_الأربعاء_06032024_172413.jpg

0_IMG-20240306-WA0063_watermark_الأربعاء_06032024_172412.jpg

1_IMG-20240306-WA0055_watermark_الأربعاء_06032024_172412.jpg

2_IMG-20240306-WA0061_watermark_الأربعاء_06032024_172412.jpg

أ ك

/ تعليق عبر الفيس بوك