منذ بداية حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول، استخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع كأحد الأسلحة الفتاكة ضد المدنيين في القطاع، فأغلق المعابر ومنع دخول إمدادات الغذاء إلى القطاع المحاصر، وقصف المخابز ومخازن المواد التموينية.
لكن حرب التجويع اتخذت منحى جديدا باستهداف وكالة الغوث الدولية (أونروا) وهي المنظمة الوحيدة التي تتولى إيصال وتوزيع المساعدات بغطاء أممي تسعى "إسرائيل" لتجريدها منه.
وفي 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية قراراتها بشأن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" في قطاع غزة، والتي كان من بينها ضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في قطاع غزة بشكل فوري.
وسارعت "إسرائيل" على الفور لنشر مزاعم عن مشاركة 12 من موظفي وكالة "أونروا" بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، وهو اتهام فُهم منه أنه انتقام من الأمم المتحدة بسبب تقاريرها وتصريحات أمينها العام حول جرائم الإبادة الجماعية في غزة، والتي استندت إليها المحكمة في قراراتها.
وفي رد فعل أولي على قرار المحكمة، قرر عدد من الدول، تتقدمهم الولايات المتحدة الأميركية، وقف تمويل "أونروا" استجابة لتلك المزاعم الإسرائيلية.
وتأسست "أونروا" بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وجرى تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين في مناطق عملياتها الخمس؛ الأردن، وسورية، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، حتى التوصل إلى حل عادل لقضيتهم.
استهداف قديم متجدد
ورغم أن استهداف "إسرائيل" لـ "أونروا" ليس بالجديد، بل هو استهداف استراتيجي يأتي في إطار مساعيها لشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إلا أن كثيرا من المراقبين يرون أن الاستهداف الجديد يندرج أيضا في إطار حرب التجويع التي تمارسها ضد الفلسطينيين في القطاع.
ومع دخول الحرب العدوانية شهرها الخامس، يعاني الفلسطنييون في قطاع غزة من تفشي الجوع، خاصة في محافظتي غزة والشمال.
وسبق أن حذّرت "أونروا" من أن حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين في شمال قطاع غزة ووسطه، مهددة بسبب نقص الغذاء.
وفي تصريحات له الخميس الماضي، قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني إن آخر مرة سُمح فيها لوكالة الـ"أونروا" بتسليم إمدادات إلى المنطقة كانت في 23 كانون الثاني/يناير.
وكتب لازاريني في تغريدة على موقع (اكس)، "منذ بداية العام، تم رفض نصف طلبات بعثاتنا لإرسال مساعدات إلى الشمال".
من جانبها، أكدت نائب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية "الفاو" بيث بيكدول، أن الفلسطينيين في قطاع غزة يعانون مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي الحاد والجوع، وأن الظروف في غزة تشبه المجاعة.
وأوضحت بيكدول أن جميع مواطني غزة البالغ عددهم نحو 2.2 مليون نسمة ينتمون إلى أحد مستويات الجوع الثلاثة، التي تتراوح ما بين حالة الطوارئ إلى الأزمة إلى الكارثة، وهي أوضاع لم تشهدها "الفاو" من قبل في أي بلد في أنحاء العالم.
وأضافت أن ما يثير القلق أن المزيد من الناس في غزة ينتقلون إلى مرحلة المجاعة، وما لا يقل عن 25% من سكان القطاع بلغوا أعلى مستويات تصنيف الجوع.
تحذيرات دولية
التحذيرات من خطر المجاعة في حال توقف عمل الوكالة صدرت من أعلى المستويات في السياسة الدولية.
وفي تصريح له الاربعاء، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إنه "لا أحد في غزة لديه ما يكفي من الطعام".
وأضاف غوتيريش أن "من بين 700 ألف شخص يعانون من الجوع في العالم، يعيش 4 من كل 5 منهم في هذا القطاع الصغير".
من جانبه، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إنّ قطع الدعم عن "أونروا" يعني كارثة إنسانية أكبر في قطاع غزة.
وأكد بوريل خلال مؤتمر صحفي الاثنين، أنّ "إسرائيل" لم تقدّم أدلّة على مزاعمها بشأن مشاركة مسؤولين بالوكالة في عملية السابع من أكتوبر، وهي الذريعة التي سوّقت لها لحملة قطع التمويل عن "أونروا".
وتحدث عن وجود توافق مع المفوض العام للوكالة الأممية على أن دعم الفلسطينيين في قطاع غزة وخارجها من مهام الوكالة.
وحذر بوريل من أن توقف خدماتها ستكون له تداعيات كارثية إنسانية على ملايين الأشخاص، وأنّ قطع الدعم عنها يعني كارثة إنسانية أكبر في قطاع غزة، مبينا أنّه "لا يمكن لأي شخص آخر أن يفعل ما تفعله أونروا".