حالة من عدم الاستقرار والقلق العميق سيطرت على ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء بالأردن، وهم يستمعون إلى الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام حول تعليق دول غربية تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وما رافق ذلك من تأكيد الوكالة الدولية من أنها قد تضطر إلى وقف خدماتها بنهاية فبراير/شباط الجاري.
ويعيش اللاجئون الفلسطينيون في المملكة ظروفاً صعبة، وهم يمثلون النسبة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، حيث يواجهون تحديات صعبة في مجالات السكن والتعليم والإغاثة الإنسانية، والرعاية الصحية والاجتماعية، مما يجعل توقف تمويل الأونروا -التي تمثل شريان حياة الملايين منهم- تحدياً إضافياً يضعهم في دوامة من الظروف الإنسانية والاقتصادية التي لا تتوقف.
وبحسرة وغضب، يتحدث اللاجئ الفلسطيني فائق أبو صليح عن مخاوفه من قرار وقف الدعم المالي عن الأونروا، محذراً -في حديث للجزيرة نت- من تقليص خدمات الوكالة، وما يحمله القرار من تأثيرات سلبية على شريحة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني.
وطالب أبو صليح باستمرار تقديم الدعم للشعب الفلسطيني على كافة المستويات، وعدم توقفه تحت أي ظرف، وإلا فإن اللاجئين الفلسطينيين في الأردن أمام مصير مجهول.
عواقب وخيمة
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت من عواقب وخيمة على لاجئي فلسطين في الأردن إذا لم تتم إعادة تمويل الأونروا على الفور، وذلك بعدما علقت 18 دولة مانحة التمويل على إثر مزاعم ضد موظفي الوكالة في غزة.
وقالت الأمم المتحدة إن القرار الذي اتخذه بعض كبار مانحي الوكالة بتجميد تبرعاتهم قد يحرم الأونروا من أكثر من 51% من دخلها المتوقع لعام 2024، مما يعرض الاستجابة الإنسانية بالغة الأهمية في غزة، والرعاية الصحية والتعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية والدعم الاقتصادي لمجتمع لاجئي فلسطين عموماً في المنطقة، ومنها الأردن لمخاطر شديدة.
ودقت المتحدثة باسم الأونروا تمارا الرفاعي ناقوس الخطر إثر تعليق عدد من الدول الغربية تمويل الوكالة، وقالت في تصريحٍ للجزيرة نت إن "تجميد المساعدات عن الأونروا خصوصاً من قبل أكبر داعمينا، وبالتالي فإن عدم حصول الوكالة الأممية على الدعم المالي المطلوب يهدد إمكانية استمرار عملياتها الإنسانية في قطاع غزة، ويهدد استمرار الخدمات التي تقدمها في كافة المناطق بما في ذلك الأردن".
وأضافت أن "الأونروا تقدم خدمات دائمة للاجئين الفلسطينيين في الأردن، كالمراكز الصحية، والمدارس التعليمية، بالإضافة للدعم الاجتماعي والإغاثي الذي نقدمه للاجئين، وبالتالي كل ذلك مهدد بالتوقف".
وحول المطلوب عمله في المرحلة الحالية، كأولوية بالنسبة لوكالة الأونروا، قالت المتحدثة باسم الوكالة "نحن نعمل مع شركائنا في الأردن كالملك عبد الله الثاني، ووزير الخارجية أيمن الصفدي، لدفع الدول الكبرى للتراجع عن قرارها بوقف دعم الأونروا".
وأضافت الرفاعي مستدركةً "من المهم التذكير بأن دولاً خليجية كالسعودية وقطر والإمارات والكويت، كانت قد قدمت الدعم المطلوب لوكالة الأونروا في وقتٍ سابق، حين قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقف تمويل الأونروا، وبالتالي ندعو هذه الدول أن تتحرك لدعمنا".
مخاطر اقتصادية
رئيس العاملين لدى الأونروا سابقاً كاظم عايش أشار إلى أن "قرار تجميد الدعم المقدم للأونروا سيقع عبئه على الحكومة الأردنية، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها المملكة، وبالتالي الأردن سيكون من أكبر المتضررين من قرار تجميد دعم الأونروا".
ويقول عايش -الذي يرأس حالياً الجمعية الأردنية للعودة واللاجئين- للجزيرة نت إن "الأونروا يجب أن تستمر في دورها لحين إيجاد حلٍ عادل للقضية الفلسطينية، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، إلا أن إسرائيل تسعى لإلغاء الوكالة التي أصبحت شاهداً على قضية اللاجئين، والنكبة الفلسطينية، وهذه مشكلة يتحمل عبئها المجتمع الدولي الذي يمول الأونروا".
واستطرد قائلاً إن "الاحتلال الإسرائيلي يسعى لإيجاد بديل عن الأونروا في أكثر من مناسبة، وفشلت جميع محاولاته السابقة، والآن تعتقد حكومة نتنياهو أن الظروف أصبحت مواتية لتنفيذ أمر كهذا".
من جانبه، قال اللاجئ الفلسطيني صهيب الدوايمة إن "تقليص خدمات الأونروا يمثل حلقة من حلقات ضرب الشعب الفلسطيني الصامد في أرضه".
وقال في حديث للجزيرة نت إن "العمل على إنهاء عمل وكالة الأونروا لن يثنينا عن فكرتنا الخالدة بالعودة إلى أرض فلسطين، بل يزيدنا ذلك تمسكاً بهذا الحق الذي لا يسقط بالتقادم".
تحريض إسرائيلي
وتبلغ الموازنة السنوية لعمليات الأونروا واسعة النطاق بالأردن حوالي 145 مليون دولار، ويعمل بها قرابة 7 آلاف موظف، وتلعب الوكالة دورا حيويا في تقديم الخدمات الأساسية لمجتمعات لاجئي فلسطين بالأردن، إلا أن كل ذلك مهدد بالتوقف بعد مزاعم إسرائيل بأن 12 من موظفي الأونروا شاركوا في هجمات حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة، بينما أعلنت الوكالة أنها تجري تحقيقا بهذه المزاعم.
ومنذ 26 يناير/كانون الثاني الماضي، جرى تعليق تمويل الأونروا من جانب 18 دولة هي: الولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا والنمسا والسويد ونيوزيلندا وأيسلندا ورومانيا وإستونيا والاتحاد الأوروبي، وفقاً للأمم المتحدة.
وبحسب الأونروا فإن وقف عملها قد يعرض تشغيل 161 مدرسة تخدم أكثر من 107 آلاف طالب وطالبة بالأردن للتوقف، والأمر نفسه مع 25 مركزاً صحياً تقدم ما يزيد على 1.6 مليون استشارة طبية سنوياً، كما تقدم دعماً بالمساعدات النقدية لـ59 ألفاً من الفئات الأكثر ضعفاً، فضلاً عن شمول خدماتها نحو 20 ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من سوريا، بالإضافة إلى أن الأونروا مسؤولة عن إدارة النفايات في 10 مخيمات رسمية.
المصدر : الجزيرة