تقف وردة أحمد مطر (36 عاما) حزينة وحائرةً أمام بكاء رضيعها الجائع؛ في ظل عجزها عن إرضاعه بسبب سوء التغذية؛ جراء حرب مدمرة تشنها "إسرائيل"، مما استدعى خضوعها لمحاكمة مستمرة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب أعمال إبادة جماعية.
ولعدم توفر حليب الأطفال في صيدليات مدينة رفح أقصى جنوبي قطاع غزة، تضطر الأم النازحة من مخيم جباليا إلى وضع تمرة في فم رضيعها حتى يتوقف عن البكاء، في ظل أوضاع مأساوية يعانيها النازحون تحت قصف وحصار إسرائيليين.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تعاني النساء في غزة قبل الولادة وبعدها أوضاعًا صعبة للغاية؛ بسبب شح الغذاء وندرة الرعاية الطبية؛ إذ دمرت الغارات الإسرائيلية المنظومة الصحية في القطاع الذي يقطنه نحو 2.4 مليون نسمة.
سوء تغذية
بينما تحاول الأم الملتاعة تهدئة رضيعها الجائع، تقول لمراسل الأناضول: "بسبب عدم توفر الحليب، أضع لرضيعي تمرة في فمه، حتى يتوقف عن البكاء".
وتضيف مع نظرة حزن ووجه شاحب "لا وجود للحليب ولا يوجد تغذية مناسبة للأطفال والنساء يعانون من سوء التغذية؛ بسبب النقص الحاد في البضائع والاحتياجات الأساسية وارتفاع الأسعار".
"في الوضع الطبيعي كانت النساء تستطيع الحصول على التغذية السليمة والصحية، لكن في ظل استمرار الحرب لا يوجد مجال للتغذية السليمة، فأوضاع الناس صعبة للغاية"، تتابع وردة.
ووفقا لمؤسسة "أكشن إيد فلسطين"، عبر تقرير أصدرته في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن "عشرات الآلاف من النساء الحوامل يعانين من الجوع الشديد" بسبب الأزمة الغذائية في غزة؛ مما يجعل من الصعب عليهن إرضاع أطفالهن.
وحذرت وكالات تابعة للأمم المتحدة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من أن النساء والأطفال والمواليد الجدد يتحملون عبء تصعيد استمرار العدوان في غزة.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية، في بيان مشترك آنذاك، إنّ "420 طفلا لم يتعد عمر بعضهم الأشهر يُقتلون أو يصابون يوميًا".
وتحت وطأة غارات إسرائيلية مكثفة وعشوائية، نزحت وردة من شمالي قطاع غزة إلى مركز للإيواء في إحدى مدارس مدينة غزة، لكن جيش الاحتلال اقتحمها، مما إجبارها مع آخرين على النزوح باتجاه مخيم النصيرات في المحافظة الوسطى.
ويعاني النازحون في غزة أوضاعًا كارثية، بعد أن أجبرت الحرب نحو مليوني فلسطيني على النزوح من مناطق سكناهم إلى مراكز للإيواء وسط وجنوب القطاع، وهي مناطق تنعدم فيها المقوّمات الصحية.
ظروف صعبة
وعن معاناة الولادة خلال الحرب، تقول وردة: "وضعت طفلي في مجمع الصحابة الطبي في غزة، وسط ظروف سيئة للغاية، حيث كان جيش الاحتلال متواجدًا في المنطقة المحيطة".
وتوضح "وصلت المستشفى بصعوبة بالغة وعلى عربة كارو يجرها حمار، وغادرت بعد الولادة بوقت قصير وبنفس الطريقة".
ومنددةً بالأوضاع الراهنة، تضيف وردة أن "طبيبة واحدة فقط تواجدت داخل المستشفى وكانت الحالات كثيرة، ولم يكن هناك متابعة ورعاية طبية كما الولادات السابقة، بسبب ظروف الحرب الصعبة".
وبحسب إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فإنه منذ 7 أكتوبر الماضي، وُلد نحو 20 ألف طفل في القطاع، غالبيتهم داخل مراكز الإيواء في ظروف قاسية جدًا، خاصة مع خروج معظم المستشفيات عن الخدمة جراء العدوان.
مخاطر عديدة
"السيدة الحامل تواجه العديد من التحديات والصعوبات".. بهذه العبارة بدأت الحكيمة في عيادة دير البلح الطبية زينات وشاح حديثها لمراسل الأناضول.
وتضيف أن من بين هذه التحديات "صعوبة الوصول إلى المركز الصحي أولًا، وسوء التغذية بسبب قلة المواد الغذائية الصحية".
وموضحة مأساوية الوضع الراهن، تزيد بأنه "في وكالة الغوث نقدم خدمة كاملة للسيدات الحوامل أثناء فترة الحمل في الوضع الطبيعي، لكن في ظل الحرب تعاني جميع السيدات الحوامل من صعوبة الوصول إلى المركز الصحي لتلقي الخدمة".
وتشير الحكيمة إلى أنّ أغلب السيدات نزحن من مناطق سكنهن إما من الشمال أو من غزة أو من المحافظة الوسطى وخانيونس.
وتشدد على أنّ السيدات الحوامل يتعرضن للخطر أثناء محاولة الوصول إلى العيادات الطبية، سواء بالمشي على الأقدام أو بركوب عربة كارو تجرها دواب.
و"تتعرض الحوامل للخطر بسبب القصف الإسرائيلي أو أثناء عملية النزوح والتحرك على الطريق بفعل الحفر والمطبات الناتجة عن القصف؛ مما قد يؤدي إلى حدوث نزيف او ارتفاع في ضغط الدم بسبب النفسية المحطمة"، كما تتابع الحكيمة.
وتختم بأن "هناك مَن لا تستطيع الوصول بتاتًا، فلا تتلقى الخدمة التي تحتاجها، وعندما تصل للعيادة في وقت متأخر تكون قد تعرضت حياة الطفل للخطر".
"الأناضول"