حشود غفيرة أمّت بيت العزاء بالشهيد القائد القسامي عزام حسني الأقرع في مسقط رأسه بلدة قبلان جنوب نابلس، شمال الضفة الغربية المحتلة، الكثير منهم لم تتح الفرصة لهم للتعرف عليه عن قرب، لكن أبناء جيله وكبار السن لا يزالون يذكرون سيرته ومآثره التي بقيت حاضرة في أذهانهم رغم طول الفراق.
قبل 32 عاما، ودع الأقرع بلدته في عملية اعتقال تطورت إلى إبعاد عن أرض الوطن امتد 3 عقود، قبل أن ينال الشهادة رفقة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت.
لم يكن الأقرع شخصية معروفة إعلاميا، فعمله العسكري المقاوم أبقاه في الظل بعيدا عن الأنظار، لكن دوائر الاستخبارات الإسرائيلية كانت تدرك خطورة الدور الذي يضطلع به هذا الرجل.
فقد ورد اسمه في قضية كشف عنها الاحتلال قبل سنة من "طوفان الأقصى"، وكان له دور في تجنيد خلية "سايبر" داخل شركة "سيلكوم" الإسرائيلية للاتصالات، بهدف الإضرار بعمل شبكة سيلكوم خلال الحرب أو خلال عملية عسكرية.
نال ما تمنى
يقول حسام الأقرع، شقيق الشهيد عزام، "الحمد لله، هذا ما كان يتمناه عزام منذ نشأته وسيره في طريق العمل المقاوم".
ويضيف: "كانت أمنيته الشهادة حتى قبل الإبعاد، فقد عرض عليّ أن يساعدني بالزواج، رغم أنه يكبرني بأربع سنوات، وعندما سألته لماذا لا تتزوج أنت، قال لي إنه مشروع شهادة وإن الزواج ليس واردا في حساباته".
وبيّن لوكالة "صفا" أن شقيقه الشهيد وهو من مواليد 31/12/1969 نشأ في قبلان، ودرس في مدارسها، لكن الظروف دفعته لترك الدراسة قبل الثانوية العامة للعمل من أجل مساعدة والده في نفقات العائلة.
خلال السنوات التي عاشها في بلدته، استطاع بناء علاقات اجتماعية واسعة واكتسب محبة الناس في المنطقة كلها، وعُرف بالتضحية والشجاعة، فكان لا يخاف في الله لومة لائم ولا يحسب حسابا لأحد، كما يقول شقيقه.
مع اندلاع الانتفاضة الأولى وانطلاق حركة حماس عام 1987، كان عزام من أوائل المنتمين لها والناشطين في فعاليات الانتفاضة.
واعتقل مرتان، كانت الأولى في العام 1989، وأعيد اعتقاله في بداية العام 1992 وتعرض للمطاردة من الاحتلال قبل اعتقاله وإبعاده إلى مرج الزهور أواخر العام 1992 مع قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
بعد عودة المبعدين من لبنان، كان عزام واحدة من بين قلّة فضلت البقاء في لبنان ليواصل مسيرة المقاومة من الخارج، فتنقل بين لبنان وسوريا ومصر وتركيا وقطر، واستقر أخيرا في لبنان.
وفي العام 1997، استشهد شقيقه الأكبر عزمي، الذي كان أحد مناضلي "فتح" في لبنان، متأثرا بإصابته التي تعرض لها خلال حرب عام 1982، فتزوج عزام من أرملة شقيقه ليتولى رعاية ابني شقيقه، ورزق هو بولدين آخرين، هما عبد الله وعبد الرحمن.
وأكد شقيقه أنهم لم يلتقوا به طوال سنوات الإبعاد، ومنذ العام 2006 انقطعت الاتصالات بينهم وبين شقيقه وعائلته بسبب تهديدات الاحتلال، الذي اعتبر مجرد الاتصال به تهمة يعاقب عليها.
وأوضح أنهم في العام 2018 وبعد توكيل محامين تمكنوا من استصدار قرار من المحكمة يسمح لهم بالاتصال به فقط في العيد.
تهديد ووعيد
ولم يكن منع التواصل مع شقيقه سوى أحد أشكال المضايقات التي تعرضت لها العائلة من الاحتلال.
ويقول شقيقه: "تعرضنا لمضايقات شتى، وخلال سفرنا للخارج كانوا يحتجزوننا لساعات طويلة ويخضعوننا للتحقيق، وكلما كان يعيّن ضابط مخابرات جديد للمنطقة كان يأتي لبيتنا ويوجه لنا التهديد والوعيد".
وبعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، داهمت قوات الاحتلال بيوت أقربائه في قبلان، واعتقلوا اثنين من أشقائه أحدهما في السبعين من العمر، وكذلك زوج أخته المريض بالكلى، واقتادوهم إلى حاجز حوارة، ووجهوا لهم هناك تهديدات قبل أن يفرجوا عنهم.
وتبدي عائلة الشهيد الأقرع رضا بما قسمه الله لها، ويقول شقيقه: "هذا حال شعبنا، لا توجد عائلة إلا وقدمت الشهيد أو الأسير أو الجريح أو هدم بيتها".
ويضيف أن الاحتلال عجز عن تحقيق إنجاز عسكري في غزة، فبحث عن هدف يرضي به جمهوره ويحافظ على شعبيته، مؤكدا "هذا ديدنهم، فهم يعتقدون واهمين أنهم باستهداف القادة يكسرون إرادة شعبنا، لكن أثبت التاريخ أنهم لن ينجحوا بذلك".