خلال صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والاحتلال الإسرائيلي عام 2011، والتي تحرر بموجبها 1027 أسيرا مقابل إطلاق الجندي جلعاد شاليط، رفض الاحتلال الإفراج عن قائمة تضم نحو 40 أسيرا وصنفهم كخطرين.
طوال فترة اعتقالهم بقي هؤلاء الأربعون خارج نطاق التفاوض وأصر الاحتلال على عدم إخراجهم تحت أي ظرف.
لكن عملية "طوفان الأقصى" التي انطلقت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأسرت فيها المقاومة نحو 250 إسرائيليا، أعادت الأمل للأسرى وذويهم، وجعلت فكرة التحرر من قيد الأسر أقرب للتحقيق، حتى لأصحاب المحكوميات العالية. ومن بينهم تبرز أسماء الأسرى الثلاثة الكبار عباس السيد وأحمد سعدات، وإبراهيم حامد.
حافلتا جنود من أجل السيد
قبل صفقة "وفاء الأحرار"، تنقل إخلاص زوجة الأسير عباس السيد أن أحد الأقارب قال لها بمزاح تُخالطه جدية "زوجك بحاجة إلى حافلتين من الجنود الإسرائيليين حتى يتحرر من السجن".
فالسيد محكوم بالسجن 36 مؤبدا و200 عام، بعد أن اعتُقل في 8 مايو/أيار من عام 2002، وتتهمه بالمسؤولية عن تنفيذ عدد من العمليات النوعية والمؤلمة، والتي أسفرت عن مقتل مئات القتلى والجرحى في صفوف الاحتلال.
تتذكر أم عبد الله هذه المقالة اليوم، وقد غدا لدى المقاومة في غزة العشرات من الجنود والضباط الإسرائيليين الأسرى، وتطوف في ذهنها كلمات زوجها التي قال فيها "إنه سيتحرر إن شاء الله وسيذهب إلى مدينته طولكرم، وإن أول شيء سيفعله فيها هو زيارة المقبرة".
تقول زوجته، في حديثها للجزيرة نت، إنها لم تشهده من قبل بهذا اليقين التام بالتحرير، "لم يسبق له أن تفاءل هكذا، حتى عند التفاوض على شاليط وغولدن وآرون"، ثم تُضيف بحرقة يُغلفها الشوق والحماس: "ونحن والله ننتظره".
لم يتحرر السيد في صفقة شاليط، ولم يكن لديه أمل أيضا بالتحرر في صفقة أخرى كان يجري التفاوض عليها ويماطل الاحتلال في إجرائها، وذلك بعد أن أسرت حركة حماس الجنديين الإسرائيليين هدار غولدن وآرون شاؤول في حرب "العصف المأكول" على قطاع غزة عام 2014.
تقول زوجته "لا أخفي أنه من يوم بدأ الحديث عن الإفراجات كانت مشاعري هادئة وفي ركود"، لكنها تستدرك وتقول "لكن حين بدأت أرى حافلات الأسيرات والأشبال، وفرحة أهاليهم بتحررهم، بدأت أرسم بخيالي مشهد استقبال أبو عبد الله، شعورٌ غريب، لكن في نفس الوقت هناك اطمئنان وفرحة بأن تحريره قد اقترب كثيرا".
سعدات.. الرأس بالرأس
ومن الأربعين "الخطرين" أيضا بالنسبة لـ"إسرائيل"، رجل حُفظت عنه مقولة "العين بالعين، والسن بالسن، والرأس بالرأس" وهو الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أحمد سعدات.
كانت تلك مقولته التي أعلنها في رسالة موجهة لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة، في أربعينية استشهاد الأمين العام أبو علي مصطفى، الذي اغتالته طائرات الاحتلال أثناء وجوده في مكتبه في 27 أغسطس/آب 2001.
بعدها وبنحو شهرين، وتحديدا في 17 أكتوبر/تشرين الأول نفذت مجموعة من الجبهة الشعبية عملية اغتيال لوزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، في فندق بمدينة القدس المحتلة.
واعتقل سعدات في سجون السلطة الفلسطينية من 15 يناير/كانون الثاني 2002 وحتى 14 مارس/آذار 2006، قبل أن تعتقله قوات الاحتلال وتحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاما لترؤسه تنظيم الجبهة الشعبية المحظور إسرائيليا.
حذر دائم
تقول زوجته عبلة لـ"الجزيرة نت": "إنه لا يتكلم كثيرا، خاصة في مثل هذه المواقف، وحين كنا متفائلين جدا أيام شاليط كان هو يقول لا تتفاءلوا، هو دائما حذر"، لكن "هذه المرة مختلفة بكل المقاييس، وجود أسرى إسرائيليين بهذا الكم والنوع مختلف"، كما تقول.
وتتابع "استبشرنا بصفقة كبيرة منذ البداية، من عدد الذين أسروا، كان مجرد شاليط وخرج فوق الألف أسير، فما بالك حين يكون لديهم أكثر من 100".
وزاد التفاؤل مع إتمام صفقة التبادل التي شملت النساء والأطفال في سجون الاحتلال مقابل إفراج المقاومة عن الأطفال والنساء المدنيات المحتجزات في غزة خلال فترة الهدنة.
وتنقل زوجته عن أحد الأسرى المحررين مؤخرا قوله "إن الأسرى متفائلون" بحدوث صفقة تبادل كبرى.
أطول ملف أمني
والحال نفسه للأسير إبراهيم حامد قائد كتائب القسام في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، وهو صاحب أطول ملف أمني يضم 12 ألف ورقة، تُرجمت إلى 54 مؤبدا.
ويتهمه الاحتلال بالمسؤولية عن مجموعة من العمليات النوعية التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى الإسرائيليين.
ينقل نجله علي شعور والده، فيقول للجزيرة نت "عمليا كان الوالد متفائلا من قبل 7 أكتوبر، كان يصلنا قوله إنه إن شاء الله قريبا سيكون عندنا".
ويضيف علي أن عملية طوفان الأقصى زادت شعوره بالتحرر ليس فقط على مستوى الأسرى وإنما "على مستوى تحرير فلسطين".
وكان إبراهيم حامد قد نشر مقالا في مجلة "الدراسات الفلسطينية" قبل "طوفان الأقصى" بـ11 يوما، بعنوان: "في إعادة الاعتبار إلى تحرير فلسطين"، والذي أجرى فيه مراجعةً علمية شاملة للمسارات السياسية التي انحرفت عن البوصلة الوطنية كاتفاقية "أوسلو".
ودعا خلاله إلى ما أسماه "العودة إلى الجذور والينابيع" و"الإجماع الأصلي" المُتمثل بهدف "تحرير فلسطين".
أما أسماء، زوجة الأسير إبراهيم حامد، فيحلو لولدها علي أن يصفها بأنها "امرأة من حديد، تتجمل بالصبر والقوة"، يقول: "نظرة أمي منذ البداية أن الحرب سوف تنتهي بصفقة كبيرة شاملة… والحقيقة لم ينقص تفاؤلها يوما".
هكذا، فتحت "طوفان الأقصى" الأفق الشخصي والسياسي للأسرى، وأصبحت فكرة التحرر من سجون الاحتلال قائمة.
وعلى جانبي طريق التحرير الذي بدا ممكنا هذه المرة للأسرى ذوي المحكوميات العالية، يقف أهالي الأسرى يترقبون مرور ذويهم وأزواجهم وآبائهم وإخوانهم.
المصدر : الجزيرة