web site counter

"لن نشرب دماء إخوتنا".. مقاطعة داعمي "إسرائيل" تنعش المنتج المحلي في مصر

مصر - صفا

 لساعات ظل عنتر سلطان، تاجر جملة منتجات غذائية بالقاهرة، يهاتف مسؤولي التسويق بشركة المياه الغازية "سبيرو سباتس"، للحصول على شحنة كبيرة تعوضه عن عبوات "بيبسي كولا" و"كوكا كولا" المكدسة في مخازنه ولا تجد من يقبل عليها، إلى أن حظي في الأخير بوعد بتلبية طلبه خلال بضعة أيام.

وسبيرو سباتس، شركة محلية تحمل اسم مؤسسها (يوناني الجنسية)، وهي صاحبة الفضل في ظهور أول زجاجة مياه غازية بمصر عام 1920، يملكها حاليا 3 أشقاء مصريين ورثوها عن والدهم الذي اشتراها من "الخواجة اليوناني" عام 1998.

والشركة التي وجدت نفسها تنتشر بسرعة على رقعة السوق المحلية، بعد أن كانت تكتفي -قبل أقل من شهر- بخطط مبيعات محدودة الأهداف والمناطق، تعد صاحبة النصيب الأوفر حظا من بين شركات محلية عديدة باتت تلقى هي الأخرى إقبالا شعبيا، في سياق حملات المقاطعة المستمرة لمنتجات الشركات الغربية الداعمة لإسرائيل.

وفي حين كانت عملية المقاومة الفلسطينية "طوفان الأقصى" كابوسا أفزع إسرائيل، في صبيحة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ردت عليه بـ"جرائم حرب" بحق المدنيين في قطاع غزة، أفاض "الطوفان" الفلسطيني بردا وسلاما على الصناعة الوطنية بمصر، فبدأ المنتج المحلي يستعيد ثقة المستهلكين، ممن رفعوا شعارات "قاطع" و"شجع منتج بلدك" و"بكل فخر صنع في مصر".

فوران سباتس

بين ليلة وضحاها، وجد مالكو "سبيرو سباتس" أنفسهم أمام اختبار صعب، مئات الاتصالات على مدار الساعة من منافذ بيع التجزئة وسلاسل المطاعم، تبحث عن المنتج البديل للمياه الغازية ذات العلامات التجارية العالمية.

وإنتاج الشركة التي يعمل بها قرابة 60 ألف موظف، زاد إلى 3 أضعاف في أقل من شهر، فعملت على فتح باب التوظيف لآلاف الباحثين عن العمل.

يقول عنتر سلطان، تاجر الجملة للجزيرة نت: "تواصلت بعد عناء مع مسؤولي سبيرو سباتس، وأنتظر حاليا طلبية كبيرة، من المتوقع أن تصل خلال أيام.. وذلك بعد إصرار مندوبي تجار التجزئة على ضرورة توفير منتجات محلية بديلة".

وعن أسباب العزوف عن المنتجات الغربية، يوضح المتحدث أن المستهلكين "كأنهم وجدوا ضالتهم في المقاطعة لدعم المنتج المحلي (..) ضد شركات يرونها داعمة لإسرائيل".

باب رزق

في مدينة المنصورة (دلتا النيل/ شمال)، تقول أم كارما، صاحبة متجر إلكتروني لبيع المنتجات الغذائية، إن الاستفادة الأولى من مقاطعة المنتجات الغربية هي الإقبال الملحوظ على المنتجات المحلية المنافسة لنظيرتها الغربية.

متجر السيدة المصرية التي تبيع منتجات غذائية مجمدة، استفاد هو الآخر من حملات المقاطعة التي تزيد يوما بعد يوم، توضح أم كارما: "نسبة الإقبال على منتجاتنا جيدة وأصبحت أفضل بكثير بعد المقاطعة (..) مع تقبل المستهلكين المنتجات المحلية التي نعمل على تطويرها من حيث الجودة والتغليف".

وفي منطقة فيصل بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، يتفق عصام حسن، صاحب متجر أغذية مع دعوات المقاطعة، ويقول للجزيرة نت: "دعما للمقاطعة قررت إغلاق ثلاجات بيبسي وكوكا كولا ومنتجات الألبان والشكولاتة الغربية، وتخزين الألبان البودرة ومساحيق الغسيل".

ويضيف: "الناس يرفضون شراء تلك المنتجات ونحن نؤيدهم، رغم خسارتنا القريبة فإن دماء الفلسطينيين أغلى عندنا، وأحيانا يسأل المشتري هل هذا المنتج معنا أم ضدنا (المقاطعة) فندله على البديل المحلي، دعما للصناعة المصرية وانتصارا للأقصى".

في موازاة ذلك، بدت سلاسل تجارية كبيرة وغيرها من مقدمي الوجبات السريعة التي تعود ملكيتها لشركات غربية خالية بشكل ملحوظ من المستهلكين والرواد، على خلاف العادة قبل أقل من شهر. كما بات مألوفا رؤية مواطنين يبحثون عبر تطبيقات الهاتف المحمول عن أصل منتج ما باستخدام الباركود

لن نشرب دماءهم

يمثل يوما الجمعة والسبت -باعتبارهما إجازة أسبوعية- فرصة للطفلة تاليا وائل للضغط على والديها كي تذهب إلى فرع "ماكدونالدز" بوسط القاهرة، والظفر بلعبة صغيرة إلى جانب وجبة سريعة ومثلجات.

بيد أن الطفلة باتت تحمل في ربيعها الثامن هموم قضية أطفال من جيلها وجلدتها في قطاع غزة بين شهيد ومصاب ونازح، بعد أن أحاطتها على شاشات التلفاز وفي المدرسة والمنزل والشارع أحاديث المقاطعة ونصرة فلسطين.

ببراءة الأطفال، تقول ابنة حي عابدين للجزيرة نت: "إسرائيل أخذت فلسطين بالحتة (بالقطعة)، ومتبقاش (لم يتبق) غير غزة وبس (فقط).. الأطفال بتموت هي والستات والرجالة، والمكان كله اتهد سواء مستشفيات ومدارس".

"لن نشرب دم إخوتنا.. (مطعم ماكدونالدز) ترسل وجبات للجنود في إسرائيل مجانًا"، هكذا قالت تاليا ردا على سؤال عن أسباب مقاطعتها وأسرتها للمنتجات الغربية.

لم يختلف موقف الطفلة تاليا حيال المقاطعة كثيرا عن موقف مدرسة اللغة العربية بمنطقة فيصل (غرب القاهرة) ريهام خالد، التي تشدد بالقول على أنها وأسرتها وكل جيرانها وزملائها في العمل يقاطعون حاليا كافة المنتجات الغربية.

وتضيف للجزيرة نت، أنهم يستخدمون البدائل المحلية، وإن لم يجدوا البديل يستغنوا، مؤكدة: "هذه المنتجات شركاتها صهيونية أو تدعم إسرائيل، ومقاطعتها فائدة للبلد وزيادة في فرص العمل، كما أن المقاطعة أقل ما يمكن أن نساهم به في دعم فلسطين".

ضد الغلاء

بمقهى صغير، وسط القاهرة، يجلس رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك" محمود العسقلاني، وهو يحتسي فنجانا من القهوة لا يتعدى سعره 7 جنيهات (ربع دولار).

في حديثه للجزيرة نت، يقول العسقلاني عن فعالية سلاح المقاطعة في الحد من الغلاء: "ما أشربه الآن لا يختلف عن قهوة (ستار باكس) المماثل، والأخير يتخطى سعره 100 جنيه (3.33 دولار)، فما المدخلات المعقدة التي تفيد مصر؟ غير أن الشركة الغربية تتكسب بالدولار في ظل أزمة العملة الصعبة بمصر".

يرى العسقلاني في إيجابيات المقاطعة بداية البحث عن المنتج الوطني المحلي، متوقعا أن تستمر المقاطعة لفترة طويلة وانتعاشه مستمرة للمنتج الوطني. وبهذا الصدد طالب باستغلال الحالة الإيجابية، وتوفير بيئة ملائمة لإحلال المنتج المحلي مكان الغربي الداعم لإسرائيل.

وأضاف أن نجاح المنتج المحلي سيوفر الاعتمادات الدولارية التي تخسرها مصر في استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج، وفي ظل أزمة انخفاض العملة المحلية.

مغانم وإيجابيات

إجمالا، يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، أن الحرب على غزة أتت ومعها دعوات بمقاطعة البضائع الغربية، قد تكون بداية لزيادة الطلب على السلع المحلية، وتشجيع المنتجين المحليين على الدخول في وضخ استثمارات جديدة من أجل إنتاج سلع بديلة للسلع المستوردة.

وهذا الأمر، بحسب حديث عبد المطلب للجزيرة نت، يساعد على المحافظة على الجنيه المصري من الانهيار، والحد من خروج النقد الأجنبي. وكذلك زيادة الاستثمارات المحلية، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي. وزيادة فرص العمل، نتيجة توسع المصانع الوطنية أو تدشين مصانع بديلة للمنتجات التي ينادي الناس بمقاطعتها.

كما أن المقاطعة -حسب الخبير عبد المطلب- تعمل على جذب استثمارات أجنبية مباشرة في مجالات الصناعات التي حققت رواجا وأرباحا من أجل الاستفادة من الأرباح. وهي تشجع الصناعة والصناع المحليين ورأس المال الوطني في تلبية احتياجات السوق من المنتجات التي تم مقاطعتها. علاوة على أن الاستثمارات المحلية تولد إلى جوار المصانع مجموعة كبيرة من المنافع والشركات المغذية والأنشطة المساعدة.

المصدر : الجزيرة

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام