لم يسلم رجال الدين المسيحيين والكنائس في القدس المحتلة من اعتداءات المستوطنين؛ بل بات المشهد يتكرر بشكل خطير واستفزازي، خاصة خلال الأعياد اليهودية، مما ينم عن مدى كراهية وحقد وعنصرية حكومة الاحتلال التي تشكل غطاءً لهؤلاء المتطرفين.
وأظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تعرض حجاج مسيحيين القادمين من شرق آسيا إلى القدس، للبصق والشتائم من مستوطنين أثناء تجولهم في البلدة القديمة، بزعم الاحتفال بـ"عيد العُرش" اليهودي، ما أثار استياءً فلسطينيًا واسعًا.
ومنذ تشكيل الحكومة اليمينية الحالية، يواجه المسيحيون في القدس ضغوطا من المستوطنين المتشددين ومنظماتهم، ويتعرض رجال الدين المسيحيين للبصق ولإساءات لفظية وجسدية، في خطوة خطيرة تصاعدت وتيرتها بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
ونشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرًا حمل عنوان "الظاهرة آخذة في التوسّع.. عشرات اليهود بصقوا على المسيحيين في طريقهم للصلاة في القدس”.
وقالت: "لقد بصق عشرات اليهود في اليومين الماضيين على المؤمنين المسيحيين الذين يقصدون الكنائس في القدس، ووقعت هذه الحوادث -وبعضها تم توثيقه، بينما شارك عشرات الآلاف من اليهود أمس واليوم في فعاليات وصلوات بمناسبة عيد العرش في البلدة القديمة".
بدوره، كتب المستوطن المتطرف "اليشوع يارد" على منصّة "X": "إنّه الوقت المناسب الآن للتذكير بأن البصق قرب رجال الدين المسحيين (الكهنة) أو الكنائس هو سلوك يهودي قديم، ومنذ أمد طويل".
وفي السياق، أقر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بوجود الظاهرة، قائلًا: "أدين ظاهرة البصق القبيحة على المسيحيين وإيذاء أي إنسان بسبب دينه أو معتقده، وهذه الظاهرة لا تمثل قيم اليهودية".
إرهاب منظم
رئيس التجمع الوطني المسيحي في الاراضي المقدسة ديمتري دلياني يقول: إن "حكومة الاحتلال ترعى بشكل مباشر الأعمال الإرهابية وجرائم الكراهية التي ينفذها المتشددون اليهود ضد المسيحيين والمسلمين، سواء كانوا فلسطينيين أو سائحين في مدينة القدس".
ويضيف دلياني، في حديث لوكالة "صفا"، أن "الاعتداء والبصق على رجال الدين المسيحيين هي جريمة عنصرية، تُوفر حكومة الاحتلال غطاءً أمنيًا لمن ينفذها من المتطرفين اليهود.
ويوضح أن حكومة الاحتلال تتجاهل هذه الجرائم العنصرية وتتساهل في التعامل معها، بل وتُوفر الحماية والأجواء الأمنية المناسبة لهؤلاء المتطرفين للقيام بها.
ووفقًا لدلياني، فإن "الحكومة اليمينية الحالية تُمول مدارس التطرف والعنصرية التي خرّجت معظم الإرهابيين اليهود من موازنتها الرسمية، ومن أموال ضرائب المسلمين والمسيحيين المتضررين من تلك الأعمال، مما يزيد من الأدلة على أن جرائمهم ما هي إلا إرهاب دولة منظم".
ويتابع أن "تبرير سياسيين إسرائيليين لجريمة البصق على المسيحيين بأنها عملية متجذرة في الدين اليهودي، تعكس مدى تجذر العنصرية والكراهية في المجتمع الإسرائيلي ودولته القائمة أصلًا على فكر عنصري وأيديولوجية صهيونية تُوظف الديانة اليهودية لأجل تحقيق مكاسب وأهداف سياسية".
والمطلوب كما يؤكد دلياني، اتخاذ المجتمع الدولي خطوات عملية لحماية المسيحيين والمسلمين ومقدساتهم من الإرهاب الإسرائيلي المدعوم حكوميًا، وفرض عقوبات على "إسرائيل" بسبب تقاعسها عن القيام بواجباتها وفقًا للقانون الدولي.
والثلاثاء، أطلق التجمع الوطني المسيحي حملة دولية تستهدف كنائس العالم، وخاصة الكنائس الأمريكية، لفضح جرائم الكراهية التي يرتكبها المتشددون اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إنهاء الوجود المسيحي
وقال رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا إن التعديات الاستفزازية التي يتعرض لها المسيحيون، وخاصة رجال الدين، والزوار والحجاج هي ظاهرة لم تنقطع منذ سنوات، لكنها اليوم تظهر بشكل أوضح نتيجة توفر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُوثق هذه التعديات والممارسات العنصرية .
وأضاف أن "هذه التعديات والاستفزازات تندرج في إطار استهداف شعبنا الفلسطيني كله ومقدساته ورموزه الدينية والوطنية، فأولئك الذين يقتحمون المسجد الأقصى هم ذاتهم المتآمرون على الحضور المسيحي، والذين يبصقون علينا ليلًا ونهارًا ويشتموننا ويسيئون لرموزنا الدينية".
وتابع "لا نعتقد بأن ظاهرة العنصرية ستتوقف بل ستزداد، خاصة مع الحكومة اليمينية الحالية، لكن ما نقوله كفلسطينيين ومسيحيين بأننا هنا باقون لن نتخلى عن رموزنا الدينية إرضاءً لأحد، وسنبقى متشبثين بانتمائنا لهذه الأرض وعراقة وجودنا فيها مهما شتمونا وأهانونا واعتدوا على رموزنا الدينية".
من جهتها، أدانت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، اعتداءات المستوطنين المتكررة ضد الحجاج المسيحيين ورجال دين ورهبان وقساوسة أثناء ممارستهم شعائرهم الدينية في القدس.
وأضافت الهيئة في بيان وصل وكالة "صفا"، أن "هذه الاعتداءات أصبحت تتكرر بوتيرة متسارعة بحق المسيحيين، بالإضافة الى الاعتداءات على الكنائس والرموز الدينية، والتي كان آخرها تعرض مجسمًا للسيد المسيح للاعتداء والتكسير".
وأكدت أن الجمعيات اليهودية المتطرفة بدعم وتغطية من سلطات الاحتلال تسعى الى زعزعة وتقويض الوجود المسيحي في القدس، باعتباره يشكل مع الوجود الإسلامي الهوية العربية الإسلامية للمدينة المقدسة وتراثها الديني والثقافي والحضاري.
ودعت الهيئة المجتمع الدولي ومجلس الكنائس العالمي الى ضرورة التدخل وتحمل المسؤولية في الدفاع عن الوجود المسيحي بالأراضي المقدسة.