شهر كامل مرّ على تنفيذ عملية حوارة في التاسع عشر من أغسطس/ آب دون أن يتمكن الاحتلال بكل آلته العسكرية والأمنية من الوصول إلى منفذ العملية.
وعلى مدار شهر كامل نفذت قوات الاحتلال غارات متتالية على بلدة عقربا جنوب شرق نابلس، وداهمت منزل الشاب أسامة عيسى بني فضل الذي تتهمه بتنفيذ تلك العملية، واعتقلت والده وشقيقه مرتين، وأخذت قياسات منزل والده مهددة بهدمه.
ولم تقتصر الاقتحامات على عقربا، بل طالت البلدات المجاورة، وصادرت تسجيلات كاميرات المراقبة، وعملت طائرات الاستطلاع على مدار الساعة، لكنها فشلت برصد مكان تواجد بني فضل.
وحتى اليوم لم تُنشر صورة واحدة لبني فضل الذي قال الاحتلال إنه ينتمي إلى حركة حماس، الأمر الذي يفسره المراقبون بأنه استفاد من تجارب مقاومين آخرين، واستعد لتنفيذ عمليته جيدا بعد أن أخذ العبرة من أخطاء أمنية وقع بها آخرون.
نجاحات متكررة
ولم تكن هذه العملية الوحيدة مؤخرًا التي يفشل الاحتلال بالوصول لمنفذيها، فقد سبقتها عملية إطلاق نار استهدفت مركبة إسرائيلية قرب مفترق الحمرا في الأغوار، أصيبت فيها مستوطنة بجراح.
وفشل الاحتلال باعتقال منفذ العملية المقاوم في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس أحمد وليد أبو عرة بعد محاصرة منزله في بلدة عقابا شمال طوباس، بعد أن خاض مقاومون اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال والتغطية على انسحابه.
وترافق حصار البيت مع اشتباكات ومواجهات عنيفة استشهد خلالها الشاب عبد الرحيم فايز غنام.
ومساء الثلاثاء الماضي نفذ مقاومون عملية إطلاق نار استهدفت مركبة للمستوطنين وأصابوا اثنين من ركابها في شارع حوارة الرئيس قرب مفترق بلدة بيتا، وتمكنوا من الانسحاب بسلام.
وشنت قوات الاحتلال حملات دهم واسعة في بلدة بيتا والقرى المجاورة طالت مئات المنازل، وصادرت تسجيلات كاميرات المراقبة.
التفاف شعبي
وفي الوقت الذي كانت قوات الاحتلال تقتحم بيتا وتداهم المنازل، كانت سماعات المساجد تحث المواطنين على الخروج والتصدي للاحتلال حماية للمقاومين، وبالفعل؛ تحولت شوارع البلدة إلى ما يشبه ساحة حرب بين مئات الشبان وقوات الاحتلال.
وتولدت حالة من الالتفاف الشعبي خلف منفذي العمليات وتحولوا إلى رموز وأيقونات يتغنى بها أبناء تجمعاتهم السكانية، الأمر الذي يرى فيه مراقبون تعبيرا عن تنامي الروح الثورية التي يعززها نجاح المقاومين في قهر التفوق الاستخباري الإسرائيلي.
بؤر آمنة وخبرات متوارثة
ويعتبر الباحث والأسير المحرر محمد صبحة أن التفسير الرئيس لذلك نجاح المقاومة بإيجاد بؤر آمنة أو شبه آمنة توفر الحماية لمنفذي العمليات.
ويقول لوكالة "صفا" إن واحدة من أهم مميزات هذه الهبة هي أن المقاومة كما يبدو استطاعت توفير بؤر آمنة يستطيع المقاوم أن يحتمي فيها ولو جزئيا.
ويلفت إلى أن الاحتلال اقتحم قبل أشهر مخيم جنين واغتال المطارد القسامي عبد الفتاح خروشة منفذ عملية حوارة التي وقعت في فبراير/ شباط، كما اقتحم البلدة القديمة بنابلس واغتال القساميين معاذ المصري وحسن قطناني منفذا عملية الحمرا التي وقعت في أبريل/ نيسان.
وبعد ذلك، حاول الاحتلال اقتحام مخيم نور شمس لكنه فشل، ثم تكرر فشله في اقتحام مخيمي جنين ونور شمس، ما يشير إلى توفر حاضنة للمقاومين.
ويبين أن وجود مناطق آمنة يتيح للمقاومين توريث وتناقل الخبرات ومراكمتها كما يحدث في غزة، حيث يراكم المقاوم فيها الخبرة وينقلها لمن خلفه، وهذا نشأ عنه أجيال متواصلة تتوارث خبراتها، بينما في الضفة كان هناك أمد زمني قصير لبقاء المطارد طليقا.
ويؤكد صبحة أن هناك عقبتين يواجههما الاحتلال في الوصول للمطاردين داخل البؤر الآمنة؛ أولهما أن الدخول صعب جدا خاصة وأن دخول قوات خاصة بزي مدني أصبح محفوفا بالخطر، والثاني أن الاقتحام العلني يعطي المطاردين فرصة للانسحاب.
ويستبعد أن يكون الاتفاق الذي جرى بين الاحتلال والسلطة بعدم دخول مخيم جنين بشكل مؤقت، هو ما يمنع الاحتلال من الوصول للمقاومين داخله.
ويقول "في اللحظة التي تتوفر للاحتلال "المعلومة الذهبية" حول أماكن تواجد المقاومين وإمكانية الوصول إليهم، سيتجاوزون أي اتفاق مع السلطة، وحتى تلك الاتفاقات تتضمن استثناء يتيح لها الدخول في حالات الضرورة تحت بند المطاردة الساخنة".
وهذا ما حدث مع الخلية التابعة لحركة حماس التي اعتقلها الاحتلال في مخيم جنين وأعلن أن لها علاقة بإطلاق الصواريخ.
قلق متزايد
ومع كل يوم يبقى فيه المطارد طليقا فإن ذلك يزيد من قلق الأوساط الأمنية الإسرائيلية التي ترى أنه يحمل في طياته عدة محاذير أمنية.
ويقول صبحة أن المطارد يمثل حالة خاصة تخلق حالة أعمّ، وأن بقاء المطارد طليقا يعطيه فرصة لتوريث الخبرة لغيره، ومن جهة أخرى تتوفر له بيئة آمنة تمكنه من تجميع آخرين حوله لتشكيل حالة مقاومة أوسع.
وعلى مدى الشهور الماضية، سعى الاحتلال لتنفيذ عمليات اغتيال سريعة وقاسية لمنفذي العمليات بهدف كيّ الوعي وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية.
لكن بقاء منفذ العملية أطول مدة ممكنة يعطي غيره جرأة ودافعية أكبر لتنفيذ عمليات لإدراكهم أن هناك فرصة للنجاة والمضي بتنفيذ عمليات أخرى، وسابقا كان المقاوم يتوجه لتنفيذ عمليته ويعتبر نفسه استشهاديا.