منح تطور صناعة أشباه الموصلات لتايوان درعا اقتصاديا متينا يحميها من أي عدوان، وجعلها تحت حماية قوية، وقد تم التعارف على هذه الحماية باسم "درع السيليكون"، فما أهمية تايوان العالمية؟ ولماذا تشكّل المنطقة محور صراع دولي؟
وقبل الحديث عن أهمية تايوان العالمية لا بد من ذكر تاريخها مع صناعة رقائق السيليكون، حيث بدأت حكومة تايوان في ثمانينيات القرن الماضي في تطوير تلك الصناعة، مستغلة ما تملك من مقومات من أراض رخيصة، ورأس مال جاهز، وأيدي عاملة متعلمة ومتدربة تدريبا عاليا، وقابلة للعمل بأجور رخيصة جدا.
لكن تايوان كانت تفتقد لعنصر واحد وهو الخبرة، وهنا جاء دور (موريس تشانغ) الذي يعدّ من المخضرمين في مجال التقنية في الولايات المتحدة الأميركية. حيث أتى بفكرة تصنيع رقائق السيليكون بدلا من تصميمها.
ومن هناك بدأت رحلة تايوان التي تعدّ اليوم العمود الفقري لصناعة رقائق السيليكون المستخدمة في جميع الصناعات التقنية.
أهمية رقائق السيليكون للعالم
لا يمكن للعالم المتطور الاستمرار دون أشباه الموصلات المستخدمة في الصناعات الإلكترونية القادمة من تايوان، التي تنفرد بإنتاج أكثر الرقائق نقاوة على وجه الأرض.
وتصنع تايوان 60% من رقائق السيليكون في العالم، و90% من رقائق السيليكون الأعلى نقاوة، وهذا ما يمنحها هيمنة عالمية في صناعة أشباه الموصّلات.
ولا يتجاوز حجم الرقاقة الواحدة حجم ظفر الأصبع، لكنها تحتوي على مليارات "الترانزستورات" المجهرية، وهو ما يزيد من تعقيد صناعتها التي تعدّ أقرب لفنّ قائم بذاته.
وأشهر شركة لصناعة الرقاقات هي شركة "تي إس إم سي" (TSMC)، التي توفر منتجاتها لجميع الشركات التقنية العالمية، فشركة "آبل" (Apple) -مثلا- لا يمكنها الاستغناء عن علاقاتها مع "تي إس إم سي"، وإلا ستختفي هواتف آيفون من أيدي المستخدمين.
من ناحية أخرى تستخدم رقائق السيليكون في الصناعات العسكرية المتقدمة، خاصة في الجيشين الصيني والأميركي، كما تستخدم في الصناعات الطبية الحديثة، وكل ما يتعلق بالأجهزة التقنية الحديثة كذلك، وهو ما يعزز من الصراع على تايوان، حيث يمكن لإيقاف صناعة رقائق السيلكون أن تشلّ حركة العالم أجمع.
درع السيليكون
بعد تعرّف أهمية صناعة رقائق السيليكون، هل يمكن تخيل ماذا سيحدث لو تعرضت تايوان للحرب؟ وما الذي سيحل باقتصادات جميع دول العالم؟ وهل سنعود إلى عصر ما قبل الأجهزة الحديثة؟
وهنا يبرز مصطلح "درع السيليكون" الذي يعكس الأهمية الإستراتجية لتايوان بفضل صناعة الرقائق، حيث قدّر الخبراء بأنه في حال دُمّرت تلك الصناعة؛ فإن الضرر الاقتصادي الذي سيحصل في العالم سيزيد عن تكاليف مكافحة جائحة كوفيد-19.
ويمكن تشبيه أهمية صناعة الرقائق الإلكترونية في القرن 21 باكتشاف النفط قبل 100 عام، وما جلبه من أهمية ودور إستراتيجي للدول المنتجة للنفط.
صراع دولي حول أرض السيليكون
يعدّ النزاع الصيني الأميركي على تايوان من أكبر النزاعات في العالم، الذي من الممكن أن يسبب تحولا جذريا في شكل العالم الحالي، في حال فوز أحد الأطراف.
وتسعى الصين لضم جزيرة تايوان التي تراها أرضا صينية، وتسعى لتحقيق ذلك بشتى الطرق السلمية دون أن تستبعد الحل العسكري من حساباتها.
وبقيت تايون حجرة عثرة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، رغم مرور نصف قرن على بيان شانغهاي الذي نص على إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، بعد اتفاق الجانبين بأن هناك صينا واحدة فقط.
درع السيليكون في مواجهة الصين
تعاونت الصين مع تايوان اقتصاديا بداية من 2005 مما حقق ازدهارا اقتصاديا للطرفين، لكن في ظل سعي الصينيين إلى تخفيف الاعتماد على المصنّعين التايوانيين بدأت العلاقات في الفتور، حيث تطمح الصين إلى ضم تايوان لأراضيها، والاستفادة من صناعات رقائق السيليكون، وفرض هيمنتها الاقتصادية.
لكن من ناحية أخرى تعدّ صناعة أشباه الموصلات رادعا لأي هجوم ضد تايون؛ فبسبب أهميتها الإستراتيجية وتأثيرها الكبير في التقنية في العالم، ستسارع دول العالم لحماية المنطقة.
ويسلط تقرير حديث صادر عن مركز أبحاث منتدى المحيط الهادئ في هونولولو، الضوء على القلق المتزايد في الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة المحيط الهادئ الهندية، بشأن سياسات الصين التقنية في عهد الرئيس شي جين بينغ.
ويتتبع التقرير استراتيجية شي على مدى العقد الماضي، وتسارعها خلال جائحة كوفيد – 19، ويخلص إلى أن "إستراتيجية الصين الرقمية" مصممة لمنح الصين ميزة تنافسية على الغرب، من خلال التحول الرقمي للقواعد والمؤسسات والبنية التحتية، وتحدي ما يعدّه الرئيس الصيني نظاما عالميا مهيمنا تقع صناعة أشباه الموصلات بتايوان في قلبه.
ويشير تقرير منتدى المحيط الهادئ إلى أن هذه الإستراتيجية تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة الصين على رعاية الاختراع الرقمي.
ومع التقدم في تحقيق الصين لاستراتيجيتها الرقمية، تبرز العديد من التساؤلات حول مستقبل "درع السيليكون"، وهل تنجح الصين في تقليل الاعتماد على تايون مستقبلا؟
المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية