بالرغم من أن 140 فلسطينيًا قد غادروها قسرًا قبل نحو 75 سنةً؛ إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لم تحل محلهم، وبعد عقود طويلة، أصبح أحفاد عصاباته، يخشون مجرد الاقتراب منها.. إنها "كبّارة".
تقع القرية المهجرة جنوب حيفا بمساحة أكثر من 9800 دونماً، تحميها أراضي قيسارية وجسر الزرقاء والطنطورة.
لكن "خفافيش كبارة" تحميها أكثر، بل إن تلك الخفافيش حلّت محل الأهالي، عقب المجزرة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق أهلها، لتشكل رادعًا للاحتلال ومستوطنيه، يمنعهم مجرد زيارتها.
كما أنها واحدة من مئات القرى المهجرة في الداخل المحتل، والتي وضعت سلطات الاحتلال يدها على معظمها، وتمنع أهلها أو أي من الفلسطينيين، من العودة إليها، ضمن قوانين عنصرية، أبرزها "قانون أملاك الغائبين".
تحريف الأصل
ويقول المؤرخ والمرشد السياحي فوزي حنا: "إن كبارة، قرية كبيرة بموقعها وقصتها، اصطلاحًا ووطنيًا، أما معناها فهو جمع كوبري، وهي كلمة تركية تعني الجسر، وسميت بذلك لقربها من جسر وادي الزرقاء".
ويضيف لوكالة "صفا" أن القرية وقبل حكايتها مع النكبة الفلسطينية، سبق أن سكنها الصليبيون وأسموها "بيدرور".
وبحسبه، فإن القرية تعرضت لتحريف معنى الإسم من مؤسسات "إسرائيل"، التي تدعي أن أصولها تعود لمعنى "الدّبّاغ أو نبات القبّار أو من الكبّارة بمعنى تون الكلس".
كما أشار المؤرخ الفلسطيني معاوية إبراهيم في الجزء الثاني من الموسوعة الفلسطينية، إلى القرية، قائلًا: "إن فيها مغارة كارستيّة، سكنها الإنسان الحجري، وإليه تنسب الحضارة الكبّارية".
وكانت القرية عبارة عن مغارة أيضًا سكنها الآثاريون، الذين عملوا في الصيد والزراعة وإنتاج الطعام، وتصنيع أدواته.
التنقيب فيها
أما الفلسطينيون، الذين سكنوا القرية قبل أعوام طويلة من أحداث النكبة، عاشوا فيها على الزّراعة وتربية المواشي، وبلغ عددهم عشية نكبتهم في إبريل 1948 نحو 140 شخصًا.
ويضيف: "عام 1931 بدأت التنقيبات في القرية بإشراف البروفسور البريطاني ترڤيل پيتر، وبعده سنة 1950 بإشراف الباحث الإسرائيلي موشيه شتوكليس".
وكشفت تنقيبات الانتداب والاحتلال، عن طبقات تحوي أدوات حجريّة مختلفة الأحجام، عكست غرابة الصناعة، ودللت على التطور الذي شهدته القرية قبل عشرات آلاف السنين.
كما يروي حنا أن "من الاكتشافات التي عثر عليها علماء الاحتلال، وجود "طبقات عليا وأدوات سُمّيَت ميكروليت، أي الحجارة الصغيرة، وهي تعود للحضارة الكبّاريّة".
ويفيد أن مما اكتشفه الاحتلال في الطبقات السفلية لمغارة القرية، وجود جمجمة إنسان بالغ وهيكل عظمي لطفل".
حقبة أوقفتها الخفافيش
وبعد أعوام من نكبة القرية، التي تم هدمها كاملة حتى لا يعود أهلها، الذين شردوا إلى المدن المجاورة، استمر الحفر فيها، بتنسيق فرنسي إسرائيلي.
ويكمل حنا: "في العام 1983 استؤنف الحفر بعثة فرنسية إسرائيلية، باستخدام تكنولوجيات جديدة، فوجدت 12 طبقة مختلفة الألوان والسُّمك والمواد التي تكونها، تحت أرض القرية".
كما عثرت بعثة الاحتلال مع الطاقم الفرنسي على "عظام حيوانات كانت تعيش في المنطقة، وفي أسفل المغارة وجدوا هيكلًا لإنسان يعود إلى 60 ألف عام، وقد تم فحص هيكله بأجهزة حديثة، عرفوا من خلالها كيف كان يعيش".
ولكن المغارة بعد كل هذا العناء، أصبحت مسكنًا للخفافيش، حيث هجرتها طواقم الاحتلال، وحينما عادت إليها وجدتها على هذا الحال، يقول حنا.
ويؤكد أنه منذ اكتشاف الخفافيش، تراجع كل شيء في القرية، ولم تعد مصدرًا لاكتشاف الآثار، أو تحويلها لأي معلم لسلطات الاحتلال أو مستوطنيه.
ويصف القرية: "فيها مغارة كبيرة تعيش بها مجموعة من الخفافيش آكلة الفواكه، ولم يعد الدخول إليها يسيرًا".