عند المدخل الشمالي لبلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، أقامت جمعيات استيطانية خيمًا وبيوت شعر وضعت داخلها مقاعد خشبية وأثاث وقطع أثرية مُستوحاة من التراث العربي القديم، لتحاكي فترات سابقة تُروج لروايات توراتية مضللة.
ولم تكتفِ سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسرقة الأرض الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة، بل تُسابق الزمن لسرقة التاريخ والتراث العربي الفلسطيني، الذي يعود تاريخه لآلاف السنين.
وعلى مدار سنوات احتلالها للمدينة المقدسة، اتبعت "إسرائيل" أشكالًا وأساليب عدة في استهدافها للآثار والمعالم العربية والإسلامية، عبر بسط سيطرتها عليها، وطمسها وتزوير تاريخها وهويتها، وتحويل بعضها إلى "مسارات ومتاحف وحدائق توراتية".
وتعد القدس من أكثر المدن الفلسطينية التي تعرضت لتدمير ممنهج للآثار التاريخية، نظرًا لأن المشروع الصهيوني يًركز على تلك المدينة، وقضية "الهيكل" المزعوم.
تراث عريق
الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول إن الجمعيات الاستيطانية أقامت الخيم وبيوت الشعر عند المدخل الشمالي لبلدة سلوان باتجاه باب الأسباط، وعلى بعد أمتار من السور الشرقي للمسجد الأقصى قرب باب الرحمة.
ويوضح أبو دياب، في حديث خاص لوكالة "صفا"، أن الاحتلال تعمد وضع مقاعد خشبية وموجودات أثرية عربية قديمة، وتقديم وجبات طعام في تلك الخيم، تُحاكي فترات سابقة لأجل تزوير التاريخ العربي الفلسطيني العريق، وترويج روايات مضللة.
ولم تكتف الجمعيات الاستيطانية بذلك، بل وضعت منتوجات وأواني فخارية ونحاسية كُتب عليها نقوش ورموز عبرية تُحاكي حضارات تاريخية سابقة، بغية تزييف الموروث العربي والحضاري والثقافي.
ويشير إلى أن الجلسات وضعت قرب الأماكن الأثرية التي تعود للفترة الكنعانية، وقرب "القبور الوهمية"، ومدخل "الحدائق التوراتية" المحيطة بالمسجد الأقصى.
هذه الجلسات- وفق الباحث المقدسي- تُحاكي فترات وأزمنة يهودية قديمة للادعاء بأنها كانت موجودة قبل 3 آلاف عام، أي فترة وجود "الهيكل" المزعوم.
ويضيف أن "هذه الممارسات تشكل نوعًا من سرقة التاريخ والتراث العربي، وشطب الهوية واستبدالها بهوية مزيفة تتلاءم مع روايات الاحتلال التلمودية عن المنطقة".
ورغم فشل الاحتلال في العثور على أي موجودات أثرية عبرية في القدس، باعتراف العديد من علماء الآثار الإسرائيليين، إلا أنه ما زال يسعى للبحث عن حقائق يستند عليها من أجل نفي أحقية الفلسطينيين ووجودهم في أرضهم، وخلق الرواية التلمودية والادعاء بوجودها.
طمس وتزييف
ويوضح أبو دياب أن الاحتلال وجمعياته الاستيطانية يحاولون بهذه السياسة، مسح الهوية العربية والمقدسية، بعدما استولوا على الأرض الفلسطينية".
ويعمل الاحتلال على تجيير التاريخ لصالح "إثبات وجود حضارة يهودية في المنطقة المحيطة بالأقصى، بعدما فشل في العثور على دليل أو أثر يُثبت أن لليهود جذورًا تاريخية في تلك المنطقة".
ويبين أن هذه الخيم تهدف لجلب مزيد من المستوطنين إلى محيط الأقصى، وخاصة في الفترات التي تسبق الأعياد اليهودية المقبلة، بهدف تكثيف تواجدهم، وتنفيذ الاقتحامات التي ستقودها "جماعات الهيكل" المزعوم، فضلًا عن غسل أدمغة الزوار والسياح.
ويضيف "لا ماضي ولا تاريخ ولا حضارة لهؤلاء اليهود، لذلك يستولون على تاريخنا وحضارتنا وموروثنا لإثبات وجودهم، في المدينة المقدسة، ولاسيما في محيط الأقصى والبلدة القديمة".
ولجأ الاحتلال- كما يقول أبو دياب، إلى "إقامة المتاحف المفتوحة في الهواء الطلق، كي يشعر السائح والزائر للمدينة المحتلة كأنه يعيش أجواءً تراثية طبيعية، بدلًا من المتاحف المغلقة، وحتى يثبت أن هذا التاريخ والموروث الشعبي يعود له".
ويؤكد أن هذا يشكل جزءًا من مشاريع التهويد التي يعمل الاحتلال على تنفيذها في محيط الأقصى والبلدة القديمة، بهدف خنق المسجد، وتزييف التاريخ وطمس الهوية والمعالم، كي تتلاءم مع أحقية اليهود في المنطقة.
ويشدد على أن الاحتلال يسعى لطمس كل شيء في محيط المسجد الأقصى، لأجل محاربة الوجود العربي والفلسطيني في المدينة المقدسة، وصياغة تاريخ عبري موهوم لا يمت للحقيقة والواقع بصلة.