متكئاً على عكازين استقبلنا الشاب عبد الرحمن منصور أبو زميرو في منزله بمخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، الذي فقد ساقه بعد إصابته بصاروخ "أنيرجا" خلال اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي للمخيم قبل نحو شهرين.
وعن إصابته يروي أبو زميرو لمراسل وكالة "صفا": "أصبت بصاروخ أنيرجا عندما كنت قرب منزل الشهيد براء لحلوح بمخيم جنين، في بداية الاجتياح، وتحاملت على رجلي وسرت بها لعشر خطوات تقريباً قبل أن استطاع بعض الشبان من حملي ونقلي للمستشفى".
ويقول: "فقدت الكثير من الدم، فما لبثت أن فقدت الوعي في الطريق، وأخبرني الأطباء أنني وصلت للمستشفى بلا نفس، وأقرب للشهادة منها للحياة".
ثم نقل عبد الرحمن إلى أحد المستشفيات خارج جنين وهناك تعرض لإهمال طبي ما أدى إلى "تعفن" في ساقه، وفق ما يؤكده.
ويكمل "بعدها عدت إلى جنين واضطر الطاقم الطبي في مستشفى ابن سينا بعدما رأوا حال ساقي لقطعها حتى لا يزداد التعفن، وقد كنت قبلها أحرك كل شيء فيها حتى أصابع رجلي كلها".
ويشدد أبو زميرو على أن السبب في فقدان ساقه هو إهمال الطاقم الطبي الذي لم يكن يقدم له سوى المسكنات.
اعتصام وغضب
الإهمال الذي تعرض له أبو زميرو يتعرض له جرحى المخيم ولكن بشكل آخر فقد اعتصم العشرات منهم عدة مرات في جنين أمام بعض المؤسسات احتجاجاً على إهمال علاجهم ومتابعة أمورهم المادية من المؤسسات.
ويقول الجريح علاء وشاحي لمراسل "صفا": "نعاني من الإهمال الطبي والتقصير".
ويضيف في حديثه لوكالة (صفا) خلال وقفة احتجاجية: "أنا جريح منذ 22 سنة ومعنا هنا جرحى منذ 15 سنة و10 سنوات ومن جرحى الاجتياح الأخير".
ويتابع وشاحي بنبرة غاضبة: "الجهات المختصة تقطع رواتبنا دون سبب وأحيانا من لديهم مواعيد لإجراء عمليات جراحية تتأجل دون سبب، وهناك بعض الجرحى غير القادرين على العمل يصرفون لهم فقط 700 شيكل راتب".
ويكمل قائلا: "عندما نذهب إلى وزارة الصحة للعلاج يطالبوننا بالمال، وعندما نقول لهم لا نملك المال نوقع على كمبيالات لتلقي العلاج".
وعن مطالبهم يؤكد وشاحي "من حقنا تأمين صحي شامل، ورواتب تكفينا وتكفي عائلاتنا لحياة كريمة وليس 700 شيكل والتي بالكاد تكفي للعلاج".
"وعود فارغة"
فيما يشكو مفيد أحمد أبو خُرج حال ابنه الجريح محمد قائلا: "ابني أصيب قبل شهرين تقريباً، وتحدثت عن حالته لأكثر من مسؤول في المخيم، ووعدوا أن يأتوا لزيارته والاطلاع على حالته، وحتى الآن لم يأت أي منهم".
ويضيف: "أنا أحمّل المسؤولية للّجان التي تتولى موضوع المخيم بكل أفرادها، خاصة المسؤولين عن الجرحى الذين لم نرَ أياً منهم ولم نسمع منهم سوى الوعود".
في حين يقول الجريح ربيع الشلبي غاضباً: "أنا مصاب بست رصاصات متفجرة بجسدي، وبحاجة ماسة لعملية منذ شهرين".
ويضيف "وزيرة الصحة تكفلت بعلاج كل الجرحى بالكامل في مستشفى ابن سينا، ومنذ شهرين وأنا أذهب لمراجعات، وفي كل مرة يطالبونني بدفع ثلاثين شيقلاً وأحياناً سبعين شيقلاً وأحياناً 130 شيقلاً".
ويتابع الشلبي: "أشتري الأدوية من حسابي الخاص، وأنا شخص تدمر منزلي خلال الاجتياح بشكل كامل ومتزوج وأب لأربعة أولاد، وها أنَ ذا مستأجر في الطابق الرابع".
الجريح محمد السعدي يتحدث غاضباً: "نحن نريد حقوقنا كجرحى وكأهالي مخيم جنين من كل شخص مسؤول في مخيم جنين لقد جاءت أموال طائلة للمخيم ولم نرً منها شيء".
ويضيف لمراسل "صفا" "نحن بحاجة إلى توضيح عن هذه الأموال أموال الإعمار وأموال الجرحى، وحقنا كمتضررين من الاحتلال أن نعرف كل شيء".
مماطلة حكومية
وبعد اجتياح المخيم وهدم البيوت جرى – وبقرار حكومي- تشكيل لجنة من شخصيات مخيم جنين لإعمار المنازل ومتابعة وتعويض المتضررين عن الاجتياح وانبثق عن هذه اللجنة المركزية لجان فرعية.
وقال مسؤول لجنة الجرحى المنبثقة عن لجنة الإعمار جمال أبو سرية قال خلال اعتصام الجرحى: ما أواجهه أنا، المماطلة بالعمل من الحكومة ووكالة الغوث (الأونروا) ولجنة الإعمار ولجنة الخدمات"،
وأضاف: "يجب على هؤلاء أن يخرجوا جميعاً بمؤتمر صحفي لتوضيح سبب التأخير للمواطنين والجرحى".
وأردف أبو سرية: "الناس مضغوطة" والد الشهيد وصاحب البيت المهدوم والجريح، والحقيقة أن الحكومة تماطل بصرف أي مبلغ للجرحى وللبناء".
وتابع "حتى الأدوية وأثمانها لم يوفروها رغم التبرعات الضخمة".
وأشار أبو سرية إلى أن اللجنة الرئيسية طلبت منه أخذ فاتورة الدواء من الجرحى، مستدركا "لكن لا شيء يظهر على أرض الواقع!!".
وكانت وزارة الأشغال العامة الفلسطينية قدرت حجم الخسائر وإعادة الإعمار في مخيم جنين جراء اجتياح الاحتلال قبل شهرين تقريباً بـ 15 مليون دولار.
في حين قال رئيس الوزراء محمد اشتية بمؤتمر صحفي في 11 يوليو/ تموز الماضي: "إن الجزائر تبرعت بمبلغ 30 مليون دولار، والإمارات تبرعت بمبلغ 15 مليون دولار (عبر الأونروا)، وتركيا بـ 150 ألف دولار، ومؤسسة أنيرا بـ 200 ألف دولار".
ولفت إلى أن حصيلة تبرعات المواطنين في الحملة التي دعت إليها وزارة الأوقاف بعد صلاة الجمعة بلغت مليوني شيكل.