ما إن أنهى اللاجئ الفلسطيني خالد أسعد من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في جنوبي لبنان، تحقيق حلمه في دراسة تخصص الهندسة البيئية والمدنية بجامعة بيروت العربية، ليبدأ أول مشواره العملي في بناء مستقبله، حتى اصطدم بخيبة أمل كبيرة، عندما علم أنه لا يحق له العمل بهذا المجال.
ويقول أسعد (33 عامًا) لوكالة "صفا": "لم أكن على علمٍ كافٍ بالقوانين المفروضة على المهن في لبنان، بل سمعت من بعض الأشخاص بأنه لا يحق للفلسطيني العمل في مجال الهندسة".
لكن بعض الأصوات كانت تبعث في خالد وأقرانه- كما يقول- بعض الأمل والطمأنينة أنه بإمكانهم العمل في "أونروا" بمهن تحظرها عليهم قوانين الدولة اللبنانية.
ويضيف "لم أستسلم لتلك القيود، بل توجهت إلى سوق العمل وطرقت أبواب الشركات في بيروت، لكن حين معرفتهم بأني فلسطيني يكتفون بالقول أرسل لنا سيرتك الذاتية".
ورغم أن خالد لم يستطع تحقيق حلمه في العمل بمجال الهندسة، بسبب قرارات الدولة اللبنانية وحرمانها اللاجئ الفلسطيني من العمل بأكثر من 70 مهنة، إلا أنه نجح في العثور على طرق للاستفادة من مهاراته.
ويُحمل الشاب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مسؤولية "عدم تُوجيه الطلبة مهنيًا وعمليًا قبل التحاقهم بالتخصصات الجامعية" آنذاك.
وصنفت الدولة اللبنانية سوق العمل إلى 73 صنفًا ومهنة، ويعود هذا التصنيف لعام 1960 حين أرادت إنشاء خطة تمكنّها من ضبط سوق العمل، بحسب بوابة اللاجئين الفلسطينيين.
وتُقسم تقييد وتحديد المهن التي لا يمكن للاجئ الفلسطيني ممارستها كما نص قرار 67/1 لعام 2005 إلى مجموعتين: المهن الخاضعة لفقرة المعاملة بالمثل، وتشمل (الطب، الهندسة، الصيدلة، وكالات السفر، رئاسة تحرير الصحف، أصحاب مستشفيات، تأمين وإعادة تأمين، والطبوغرافيا).
بالإضافة إلى المهن الخاصة بالجنسية اللبنانية، وتشمل القانون (المحاماة)، الصحافة، خبراء فنيون (تقنيون)، وتملّك شركات سياحة، وإدارة شركات طباعة، فيما يسمح للاجئ العمل في القطاع الزراعي الموسمي والبناء والدهان وغيرها.
ورغم أن وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم سمح قبل نحو عامين للأجانب بممارسة مهن كانت مقيدة بمواطنين لبنانيين، إلا أن معظم الفلسطينيين لم يستفيدوا من ذلك لأن العمل في تلك المهن مرتبط بالانضمام لنقابات تمنع انتساب غير اللبنانيين إليها.
انعكاس سلبي
ويؤكد مدير مركز التنمية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين سامر مناع أن وزارة العمل ليس لها صلاحية التدخل في قرارات النقابات، "حتى وإن اقترح وزير العمل فتح الفرصة للأجانب في مجال الهندسة على سبيل المثال، فإن النقابة لا تفتح الباب للموافقة على هذا الاقتراح".
ويقول منّاع، لوكالة "صفا": "هذه السياسات قابلة للتغيير تبعًا لقرارات الوزراء، إذ لم تصدر عن مجلس النواب، بل تعتمد على توجهات الوزراء الحاليين".
ويشير إلى وجود مهن غير مرتبطة بالنقابات، ويمكن للفلسطينيين العمل فيها بشرط الحصول على تصريح عمل.
ويضيف "رغم ظروف اللجوء المختلفة، إلا أن الحكومة اللبنانية تتعامل مع الفلسطينيين في هذه الحالة كأجانب، مما يُؤثر على وضعهم الإنساني، والذي يشهد تفاقمًا كبيرًا".
ويلفت إلى أن ارتفاع نسبة البطالة والفقر بالمخيمات الفلسطينية في لبنان، يُؤثر سلبًا على الحياة اليومية للاجئين، ويتسبب في زيادة المشاكل الاجتماعية.
ويضيف أن "تفاقم هذا الوضع يُؤثر أيضًا على المستوى الوطني، من حيث زيادة حالات الحرمان من العمل، ودفع بعض الأفراد إلى الهجرة سواءً بشكل شرعي أو غير شرعي، عبر قوارب الموت".
ويوجد في لبنان- وفقًا لمناع- 72 مهنة يرتبط نصفها بأنظمة داخلية ونقابات، وتشترط بعض المهن أن يكون الشخص لبناني الجنسية لمدة تزيد عن 10 سنوات، في حين يتطلب البعض الآخر الجنسية اللبنانية.
ويشير إلى أن "أونروا" كانت أطلقت برنامجًا يُتيح للاجئين الفلسطينيين العمل عدة ساعات محدودة مقابل الحصول على مردود مالي.
ويبين أن هذا البرنامج لقي استحسانًا كبيرًا، لأن العديد من اللاجئين الذين يعملون في مجالات غير متعلقة بتخصصاتهم الأكاديمية يستفيدون منه.
تحديات كبيرة
ويقول مناع: إن "اللاجئ الفلسطيني في لبنان يُواجه عوائق عديدة وتحديات كبيرة، تتمثل في الصورة النمطية المرتبطة بالتوطين ومفهوم العمل والكرامة، وكذلك التعاطي العنصري معه".
ويضيف أنه "يتم توريث وجهات النظر السلبية تجاه الفلسطينيين من جيل إلى آخر في لبنان، نتيجة للتاريخ المشترك وارتباط الصراع الفلسطيني بالوضع اللبناني".
ويؤكد مدير مركز التنمية ضرورة تغيير هذه النظرة ومنح اللاجئين الفلسطينيين فرصًا حقيقية في العمل، كونهم باتوا يُشكلون عنصرًا إيجابيًا في تعزيز الاقتصاد اللبناني بشتى القطاعات.
ويطالب بتوسيع دائرة الاستقطاب والتوظيف لعدد أكبر من اللاجئين باستمرار، داعيًا منظمة التحرير إلى تمويل مشاريع صغيرة وتعزيز التعاون والحوار مع الجهات اللبنانية لفتح فرص عمل، وتكثيف الجهود التي تستهدف فئة الشباب خصوصًا.
ويوضح أن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية الأساسية في التعامل مع قضية اللاجئين، وعدم توفير حلول لها، كما أنه لا يُؤدي دوره المناسب إزاء تمويل "أونروا"، والمساهمة في تخفيف أزماتها، وأيضًا عدم ممارسة أي ضغط على "إسرائيل" لتنفيذ حق العودة.
ووفقًا لمناع، فإن "غياب الدعم الدولي يؤدي إلى استمرار المشاكل المتعلقة باللاجئين على المدى البعيد والقريب، لذلك لا بد من إيجاد حلول عاجلة لتخفيف معاناتهم في لبنان، بهدف ضمان حقوقهم الأساسية وتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي".
ويقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بأكثر من 200 ألف، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ويتوزع معظمهم على 12 مخيمًا ومناطق سكنية أخرى.
ويرزح نحو 93% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تحت خط الفقر، وفق "أونروا"، وسط انهيار العملة المحلية وارتفاع الأسعار في الدولة العربية.