بعد ساعات من خروج قوات الاحتلال من مخيم جنين مخلفة القتل والدمار، كانت رصاصات المقاومين تستهدف دورية لشرطة الاحتلال على جبل جرزيم بنابلس، لتكون تلك واحدة من أولى عمليات الثأر بتوقيع الشهيدين حمزة مقبول وخيري شاهين.
واغتالت قوات الاحتلال مقبول وشاهين بدم بارد بعد محاصرة المبنى الذي تواجدا فيه بالبلدة القديمة في نابلس، وبعد أن أصيبا بالرصاص.
فبعد تنفيذهما العملية بالحي السامري على قمة جبل جرزيم، تمكن مقبول وشاهين من الانسحاب بسلام واللجوء للبلدة القديمة ليمضيا فيها اليومين الأخيرين قبل استشهادهما.
وتشاء الأقدار أن ينفذ الشهيد أحمد ياسين غيظان عمليته عصر الخميس بالقرب من مستوطنة "كدوميم" التي قتل فيها جندي وأصيب آخر، لتكشف عن هوية شاهين ومقبول.
فقد سربت مصادر عبرية خبرا مفاده أن جيش الاحتلال يتوقع بأن منفذ عملية "كدوميم" هو ذاته منفذ عملية الحي السامري، وأنه من سكان المدينة.
وأكدت روايات العديد من شهود العيان أن قوات الاحتلال أعدمت الشابين بدم بارد بعد إصابتهما واقتيادهما إلى سطح المبنى المحاصر.
سيرة عطرة
مقربون من الشهيدين كشفوا بعد استشهادهما جوانب مشرفة من حياتهما، ورغبتهما بنيل الشهادة واللحاق بمن سبقهما من الشهداء.
وقالت هبة، شقيقة الشهيد شاهين إنه لم يعد للمنزل في خلة العامود بعد مغادرته يوم الأربعاء، وانقطعت أخباره.
وأضافت لوكالة "صفا": "صباح الجمعة، اقتحمت قوات الاحتلال منزل العائلة واعتقلت شقيقي الأصغر مهدي، وفتشت المنزل وصادرت الهواتف وفحصتها لمعرفة إن كنا على تواصل مع خيري".
وبعد دقائق من انسحاب الاحتلال من المنزل، بدأت الأخبار تتوالى عن استشهاد خيري ورفيقه حمزة.
والشهيد شاهين أسير محرر أمضى في سجون الاحتلال أربع سنوات، وكان صديقا للشهيد إسلام صبوح الذي استشهد مع إبراهيم النابلسي في أغسطس 2022.
وقالت: "خيري رفع رأسنا باستشهاده كما كان دائما قبل استشهاده، وكان محبوبا من الجميع، وسيرته العطرة تسبقه إلى كل مكان".
وأكدت أنه ومنذ صغره كان يتمنى الشهادة، وله العديد من الأصدقاء الذين سبقوه للشهادة من نابلس وجنين، وقد تأثر كثيرا باستشهاد إسلام صبوح.
وكشفت أنه في أيامه الأخيرة كان يحس بقرب استشهاده فكان حريصا على إمضاء جلّ وقته مع عائلته وأقربائه وأصدقائه، وكانت كلماته لهم تحمل في طياتها الوداع والكثير من الوصايا.
شهيد الحق
أما والدة الشهيد مقبول، المعروف بلقب "أشعب" فتحدثت لوكالة "صفا" عن صفاته وخصاله التي ميزته بين أقرانه وجعلته محبوبا من الجميع.
وقالت: "حمزة كان محبوبا من الجميع، وكان يمتاز بالجرأة والشجاعة ويتمتع بحس وطني".
وبينت أن الشهادة كانت أمنية رافقته منذ طفولته، وكان يحب أن يطلق على نفسه "شهيد الحق"، وبعمر 13 سنة حاول تنفيذ عملية بحزام ناسف لكنه اعتقل وهو في طريقه للتنفيذ، وبقيت الشهادة لا تفارق باله.
وقالت: "منذ أربعة شهور وهو لا يفارقني ودائما يكون بجانبي في البيت ويطلب مني الرضا".
وتابعت: "كان كلما حدثته عن الزواج يقول لي لا تتعبي نفسك، فأنا جهزت نفسي لشيء سيفرحك كما لم تفرحي من قبل، وسأكرمك وأعطيك هدية تفتخري بها طوال حياتك".
وبينت أنه في يوم تنفيذ العملية اغتسل وتعطر ولبس أبهى الثياب، وقبّل رأس والده، وطلب منه المسامحة، وعندما سأله عن مقصده، قال إنه ذاهب لوجه الله الكريم.
كما قبّل يدي والدته ورأسها، وقال لها: "خليكي جبل مثل ما بعرفك".
وأشارت والدته إلى أنه عندما ترددت إشاعة استشهاد حمزة يوم الخميس توافد الناس على بيتهم لمواساتهم، لكن إحساس الأم كان يخبرها أنه لم يستشهد.
وقالت إنها توجهت فجر الجمعة وقبل ساعات من استشهاد حمزة إلى البلدة القديمة علّها تلتقي به، لكنها لم تره، بل كلمها عبر الهاتف.
وأضافت: "قال لي أعرف أنك ستطلبين مني أن أسلم نفسي، لكني لن أفعل، فأنا طلبت الشهادة بصدق في سبيل الله ومن أجل الوطن، وادعيلي أن أنالها".
ولم تكد تشرق شمس يوم الجمعة حتى نال حمزة ورفيقه ما تمنيا.