دخل السجن وهو في ريعانه، وقد كان شابًا دخل القفص الذهبي حديثًا، وما أن بدأ بتكوين أسرة، اختطفته منها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأخفته بغياهب سجونها، ليخرج وقد أصبح جدًا لثمانية أحفاد.
كان ذلك قبل 35 عاما، حينما اعتقلت قوات الاحتلال الأسير بشير الخطيب، ابن مدينة الرملة بالداخل الفلسطيني المحتل، وتحديدًا عام 1988، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة.
وبالرغم من عذابات الفراق والسجن والتعذيب، وسنين الشباب التي ضاعت من الخطيب، إلا أنها لم تنل من عزيمته، بل إنه اعتبر خروجه من السجن اليوم بعد 35 عاما، انتصار على الاحتلال، بل أيضًا إنجاز أنه خرج وقد اكتملت شجرة عائلته وامتدت، وإن لم يكن ذلك أمامه.
الحرية وذكريات عجاف
تقول ابنته لوكالة "صفا" عقب خروج والدها من السجن: "أنا وإخوتي الأربعة، اعتقل والدي ونحن صغار، وقضينا سنين أعمارنا، في زيارات منقطعة له في السجون، التي تنقل بينها".
وتضيف "لم ولن أنسى كل محطة مرّ بها أبي، ومررنا نحن بها، لحظات وسنين الاعتقال، والانتظار، والحرمان من الزيارة".
وبالرغم من أن الاحتلال سبق وأن حكم على الخطيب بالسجن مدى الحياة، إلا أنه وبجهود قضائية استطاعت العائلة تعديل الحكم ليكون مؤبدًا، وذلك عام 2012، أي بعد 24 عاما من اعتقاله.
محطات أمل أطفأها الاحتلال
ويعد الخطيب من الأسرى القدامى، الذين اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو، وهو ما جعله مرشحًا مؤكدًا لنيل حريته، ضمن الاتفاق الذي أبرم بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي عام 2013، ضمن اتفاق استئناف المفاوضات، والذي يقضي بالإفراج عن كل الأسرى القدامى.
إلا أن سلطات الاحتلال وبعد ثلاث مراحل اعتقدت العائلة أن أبيها سيكون لزامًا ضمن أسرى الدفعة الرابعة والأخيرة التي ستخرج من السجون، ضمن الاتفاق، رفضت الإفراج عن الخطيب.
وفي ذلك العام، تنكر الاحتلال للاتفاق، ورفض الإفراج عن مجموعة من الأسرى القدامى، إلى اليوم.
تقول ابنته "كانت من أكثر المحطات التي تجهزنا فيها لاستقباله، وكنا على يقين بخروجه، خاصة وأن الاحتلال أفرج عن دفعات من أسرى ما قبل أوسلو، ولكن صُدمنا في آخر لحظة، برفضه".
ورغم الإحباط، إلا أن العائلة عادت لتعلق أمالها في محطة أخرى، ليخرج الأب من السجن، وهي إدراج اسمه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال، المعروفة بصفقة "شاليط" عام 2014، ولكن الاحتلال رفض ذلك.
وزعمت سلطات الاحتلال فيرفض الإفراج عن الخطيب، أنه "يحمل هوية زرقاء"، مع العلم أنها كانت تتهمه بالانتماء لجهة محظورة، وحيازة أسلحة ومتفجرات، والقيام بعمليات فدائية أدت إلى قتل يهود، حسب نادي الأسير الفلسطيني.
واليوم الخميس، أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الخطيب من سجن النقب الصحراوي إلى مسقط رأسه بالرملة، ليعود إلى بيته وقد كبرت عائلته وأصبح جذرًا لفروع قدت امتدت.
الأب الجد
وشهد حي الأسير أجواءً من الفرحة بعد استعدادات لاستقباله، كانت العائلة وفعاليات مختصة بالأسرى قد أعلنت عنها.
وفور الإفراج عنه، قال الخطيب عن السجن والحرية: "كنا في عذاب ومرض، والحمد لله خرجنا ونلنا حريتنا في الآخر، رغمًا عن كل شيء".
وبالرغم من أن السجن أصبح وراء ظهره، إلا أن الحديث عن الأسرى كان لسان حاله، مضيفًا "أتمنى أن يخرج كل الأسرى ويشعروا بما أشعر به الآن".
وتابع "أتمنى أن أرى خروج كل الأسرى خاصة الأسير وليد دقة وإبراهيم أبو مخ، وإبراهيم بياتنة وأحمد أبو جابر".
واختلطت مشاعر الحب والصدمة والذهول داخل الخطيب، حينما رأى أبنائه الأطفال، قد كبروا وتزوجوا جميعًا، وأن أولئك الأطفال حوله، هم أحفاده.
يقول: "الحمد لله على كل شيء، تركت أبنائي أطفال، واليوم أخرج وأرى أطفالهم بأعمارهم حينما دخلت السجن".