بدقة متناهية تزيل الشابة حنين العمصي الغبار والشوائب عن مخطوطةٍ تاريخية مضى عليها نحو قرن من الزمن بواسطة أدوات خاصة في محاولة لإحياء التاريخ الثقافي الفلسطيني الذي يقع بين فترة نهاية الدولة العثمانية 1922 وحتى عام 1948.
المخطوطة الواحدة تحتاج من 3-5 ساعات عمل يوميًّا ضمن فريق نسوي مكوّن من 9 شابات يعملن كخلية نحل؛ لبث روح الحياة في مخطوطات وكتب نادرة ومحفوظات من صور ووثائق وسجلات تاريخية عفا عليها الزمن.
ويأتي هذا الجهد النوعي للشابات ضمن مشروع "عيون على التراث" الذي تموّله المكتبة البريطانية ثاني أكبر مكتبة حول العالم ومتحف هيل في أمريكا؛ إذ جاء هذا التمويل نتيجة جهود مضنية من الشابات بتقديم مخطوطات تاريخية مُهمة في قطاع غزة.
مخطوطات تاريخية
وتقول العمصي-مشرفة المشروع-في حديثها لمراسل صفا إن الشابات بدأن في مشروع "عيون على التراث" منذ سبتمبر 2022، وسيستمر العمل به حتى منتصف العام القادم بعد ترميم كافة المخطوطات التاريخية التي تُقدّر بالآلاف.
وتوضح أن هدف المشروع الرئيس هو الحفاظ على هذه المجموعات التاريخية من الضياع وتقديمها للعالم، أن هناك مخطوطات تاريخية إبان العهد العثماني كانت في غزة، خاصة في ظل أن القطاع يتعرض لعدوان بشكل مستمر، وأن هناك خشية من اندثار تلك المخطوطات.
ويكمن أهمية مشروع "عيون على التراث"- وفق العمصي- في ظل غياب التوعية بقيمة المخطوطات التراثية في المجتمع الفلسطيني، إذ أن هذا التراث نهب منه الكثير إما سرقةً من الاحتلال أو بتعرّض تلك الأماكن لقصف إسرائيلي.
وحصل فريق الشابات على المخطوطات من عدة عائلات في قطاع غزة بادرت بتسليم هذه المخطوطات في مسعى لترميمها والحفاظ عليها.
مراحل الترميم
ويمر ترميم المخطوطات بعدة مراحل، أولها "الصيانة الوقائية"، ثم "إعداد تقارير علمية"، وثالثا "الأرشفة الرقمية"، وأخيرا "تخزين المخطوطات بصناديق حديدية مخصصة" تهدف لحمايتها من عوامل البيئة والاندثار.
وتقول الشابة حنين السرساوي وهي باحثة مختصة إن المرحلة الأولى في ترميم المخطوطات "الصيانة الوقائية" تبدأ بفحص أوراق المخطوطة والكشف عن طبيعتها لترميمها بالصورة المطلوبة، واختيار الأدوات المناسبة لها وفقًا لدرجة الحموضة والكتابة المستخدمة فيها.
وتشير السرساوي إلى أن ترميم المخطوطة الواحدة قد يأخذ ساعات طوال اليوم وأحيانا لأيام بحسب حجمها وعدد صفحاتها وطبيعة الورق والكتابة الموجودة فيها.
ويقع جهود المرحلة الثانية "إعداد التقارير العلمية" على الباحثة في علوم التراث سماح دويمة، فتبدأ بتقديم معلومات تفصيلية عن كل مخطوطة أو وثيقة أو كتاب تاريخي، وتسجل تلك المعلومات بشكل ورقي وإلكتروني، لتساعد الباحثين والمهتمين الاطلاع بصورة سريعة على كل مخطوطة.
وبالانتقال إلى المرحلة الثالثة من ترميم المخطوطات، تقوم أريج جريد وهي أخصائية أرشفة رقمية بتصوير المخطوطات بعد ترميمها وتنظيفها عبر استديو خاص فائق الجودة ووضع أكواد خاصة بكل مخطوطة.
وتوضح جريد أن الاستديو الخاص بالأرشفة الرقمية جاء بعد جهود كبيرة بذلها فريق مشروع "عيون على التراث"، حيث استغرق التنسيق لدخوله غزة استغرق نحو نصف عام، وهو ما ساعدهم لأرشفة المخطوطات بصورة رقمية فائقة الجودة.
وتلفت إلى أنه بعد تصوير المخطوطات سيتم رفعها على موقعين عالميين المكتبة البريطانية ومتحف هيل في أمريكا؛ الممولين للمشروع ليكون متاحًا لجميع الباحثين والمهتمين حول العالم.
وفي ختام مراحل ترميم المشروع، فإنه سيتم تخزين المخطوطات بصناديق كرتونية خالية من ( الحموضة) الأسيد في خزن حديدية مخصصة.
ويطمح الفريق النسوي لتكوين شراكات مع مؤسسات تعنى بالتراث ثقافي على مستوى عالمي للمساعدة في حصولهم على أجهزة ترميم متخصصة، وإيداع هذه المخطوطات في متحف دائم يستطيع كل زوار العالم زيارته في مدينة غزة.