قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ خفر السواحل اليوناني ربما يكون متورطًا في حادثة غرق مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء قبالة السواحل اليونانية الأربعاء الماضي الموافق 14 يونيو.
وأكّد المرصد الحقوقي في بيان صحافي الأحد أنّ ثمّة شواهد قوية تدفع للاعتقاد بأنّ القارب الذي كان يحمل على متنه نحو 750 مهاجرًا وطالب لجوء تعرّض للغرق بعد اعتراضه من زورق تابع لخفر السواحل اليوناني، وقَطْرِه وإبعاده عن السواحل اليونانية.
وذكر أنّه اطلع على إفادات لناجين من الحادثة، قالوا فيها إنّ زورقًا تابعًا لخفر السواحل اليوناني اقترب من القارب وربطه بحبل لسحبه ومنعه من الإبحار نحو وجهته، ما تسبب بانقلابه وغرقه.
ووفق إفادات الناجين، ابتعدت زوارق خفر السواحل اليوناني عن قارب المهاجرين عقب غرقه، ومكث الغرقى في المياه ساعتين على الأقل قبل الحصول على المساعدة وبدء عمليات الإنقاذ.
وبيّن أنّ القارب المنكوب كان مرصودًا ومتابعًا من خفر السواحل اليوناني والطيران المسيّر التابع للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) قبل غرقه بساعات، ما يعني أنّ خفر السواحل كان على الأرجح على دراية كبيرة بالأوضاع داخل القارب، وكان بإمكانه الاستجابة على نحو أسرع وأكثر فاعلية لدى غرق القارب، بما يساهم في إنقاذ مئات الأرواح.
وقال رئيس المرصد الأورومتوسطي "رامي عبده": "إذا ما صحّت ادعاءات الناجين بتورط خفر السواحل اليوناني في حادثة غرق المركب على هذا النحو، فنحن أمام جريمة متكاملة الأركان تستدعي تحركًا أمميًا حازمًا لتحديد الجناة ومحاسبتهم ومنع إفلاتهم من العقاب، وإحداث تغيير جذري في تعامل الدول الأوروبية مع ملف الهجرة".
وأضاف "عبده" أنّه "نظرًا للسجل الطويل من الانتهاكات العنيفة التي تورّط بها خفر السواحل اليوناني أثناء عمليات صد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود البحرية والبرية، فإنّنا لا نستبعد على الإطلاق أنّ غرق المركب كان نتاجًا للتصرفات المتهورة وغير المنضبطة لخفر السواحل اليوناني".
وبحسب المعلومات التي جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي، تحرك القارب المنكوب من سواحل طبرق شرقي ليبيا الأسبوع الماضي نحو السواحل الإيطالية، وكان المهاجرون وطالبو اللجوء يعيشون قبل الصعود إلى القارب وأثناء الرحلة أوضاعًا إنسانية غاية في السوء، إذ كان المهرّبون يقدمون لهم رغيف خبز وكمية قليلة من الماء كل يومين تقريبًا، وكانوا يعتدون عليهم بالعصي والهراوات بشكل مستمر.
وينحدر الضحايا من جنسيات متعددة، بمن في ذلك عشرات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، إضافة إلى مهاجرين وطالبي لجوء من باكستان وأفغانستان ومصر ودول أفريقية أخرى، وكان من بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.
وتابع المرصد الحقوقي تصريحًا للمتحدث باسم الحكومة اليونانية زعم فيه أنّ ربط قارب المهاجرين بأحد زوارق خفر السواحل كان بهدف الاقتراب من القارب وعرض المساعدة على ركابّه، لكنّ رواية المتحدث الحكومي أغفلت على ما يبدو ما كشفته إفادات الناجين أنّ القارب تعرّض للغرق بعد قطره من خفر السواحل.
ولفت إلى أنّ خفر السواحل اليوناني أصدر تصريحات وتحديثات متعددة حول الحادثة، لكنّه لم يذكر أنّ زورقًا تابعًا له ثبّت حبلًا على قارب المهاجرين وبدأ بقطره، ما يعزز الشكوك حول الأهداف الحقيقية وراء إخفاء معلومة مهمة في هذا السياق.
ونبّه إلى أنّ طلب اليونان من وكالة إنفاذ القانون الأوروبية (يوروبول) دعم تحقيقاتها بشأن عصابة المهربين المتورطة في تسيير القارب قاصر ولا يسهم في تحقيق العدالة على نحو كامل، إذ إنّ التحقيق في ظروف ومسبّبات غرق القارب- بما في ذلك الدور المحتمل لخفر السواحل اليوناني- لا يقل أهمية عن تتبع وتفكيك عصابات تهريب البشر، بل قد يمثّل أولوية في الوقت الحالي.
وانتقد المرصد الأورومتوسطي احتجاز السلطات اليونانية عددًا كبيرًا من الناجين من الحادثة في مركز احتجاز "مالاكاسا" شمال شرق العاصمة أثينا، وفرض قيود شديدة على حركتهم وتواصلهم مع الأشخاص خارج المركز، مشدّدًا على ضرورة معاملتهم على نحو لائق يتناسب مع الصدمة التي تعرّضوا لها، والإسراع في تقديم الدعم النفسي لهم للحفاظ على صحّتهم العقلية.
ووفق بيانات رسمية يونانية، عثر خفر السواحل على جثث 78 مهاجرًا وأنقذ 104 من المهاجرين وطالبي اللجوء عقب حادثة غرق القارب، لكنّ أكثر من 560 آخرين ما يزالون حتى الآن في عداد المفقودين، في ظل عدم نجاح عمليات البحث في العثور على مزيد من الناجين أو حتى جثث الضحايا.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات اليونانية والاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى فتح تحقيق شفاف ومستقل في حادثة غرق وفقدان مئات المهاجرين وطالبي اللجوء قبالة السواحل اليونانية، بما يضمن الوقوف على جميع ملابسات الحادثة، وتحديد ومحاسبة جميع المتورطين المحتملين بها.
وحث المرصد الأورومتوسطي خفر السواحل اليوناني و"فرونتكس" على الإفراج عن جميع البيانات والمواد المرئية الخاصة بالحادثة، ولا سيما التصوير الجوي للقارب المنكوب، والالتزام بالشفافية في التعامل مع مجريات القضية، بهدف كشف الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا.
وطالب المرصد الأورومتوسطي الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، لا سيما دول المقصد، بإجراء مراجعات شاملة لسياسات الهجرة المتشددة، والتوقف عن سياسة إغلاق الأبواب في وجه المهاجرين وطالبي اللجوء، والتسبب بدفعهم إلى المغامرة بأرواحهم من خلال الارتهان لعصابات تهريب إجرامية وسلوك طرق خطيرة في سبيل الوصول إلى أوروبا.