وصل عدد جرائم القتل في الداخل الفلسطيني المحتل إلى 102 قبل أن ينتصف عام 2023، في تزايد "مخيف" عن العام السابق، الذي لم يتجاوز عدد القتلى فيه عن 100 ضحية.
ويشهد الداخل الفلسطيني تصاعدًا غير مسبوق في جرائم القتل، وصلت إلى خمس جرائم يوميًا، وسط تقاعس شرطة الاحتلال عن ملاحقة الجريمة المنظمة، وتواطؤ الأمن.
ولم يعد فلسطينيو الداخل يستوعبون ما يجري معهم، ولاسيما في ظل عدم معرفتهم منفذي عمليات قتل أبنائهم، الذين يسقطون ضحايا بشكل شبه يومي.
وبالرغم من أن استفحال الجريمة في شوارع الداخل، إلا أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومنظوماته الأمنية، تقف موقف المتفرج، والمتواطئ مع عصابات الإجرام.
"دولة العصابات"
ويؤكد المختص في علم الجريمة بالداخل وليد حداد أن وصول عدد الضحايا لهذا العدد في وقت قصير من العام، يعني أن المجتمع الفلسطيني بالداخل وصل لانزلاقات خطيرة، سبق وأن تم التحذير منها قبل أعوام.
ويقول حداد، لوكالة "صفا": "إن عدد الضحايا كان 105 نهاية عام 2021، و100 نهاية عام 2022، لكن وصل 102 قبل أن ينتصف العام الجاري".
ويضيف "نحن نفوق الدول التي تحكمها العصابات المنظمة في عدد الجرائم، إذ وصل عدد الضحايا في الداخل 70 قتيل لكل مليون، في وقت وصل فيه العدد في نيويورك التي تُعد مستنقعًا للجرائم 30 قتيلًا لكل مليون"، حسبما أفادت لجنة مكافحة الجريمة والمخدرات العالمية التابعة للأمم المتحدة.
ويشير إلى أنه "سبق وأن حذرنا عام 2016 من الوصول لانزلاقات خطيرة في الجريمة، وكان عدد الضحايا في ذلك العام 53 ضحية، وكان بالنسبة للجميع عدد رهيب ومخيف".
ويكمل "وها نحن وصلنا لهذه الانزلاقات، ونؤكد أن المجتمع الفلسطيني بالداخل يتعرض لجريمة منظمة، بدأت منذ أيام أرئيل شارون، وتصاعدت مع حكم بنيامين نتنياهو".
"الحدود الدقيقة" للعصابات
ويتطرق إلى عملية "تنظيف تل أبيب والمدن التي يعيش فيها إسرائيليون من عصابات الجريمة بشكل كامل، حين كان المجتمع اليهودي يعاني من تلك العصابات".
ويرى أن "الانقضاض على عصابات الجريمة المنظمة في تل أبيب ضمن ما يسمى عملية تنظيفها من الإرهاب الجنائي، أنشأ نوعًا من الفراغ، ملأته العصابات اليوم في المجتمع الفلسطيني بالداخل".
ويعزو اختلاف تعامل حكومة الاحتلال مع ملف الجريمة، إلى أن "ما يجري في الداخل ضمن مخطط مدروس".
ويلفت إلى أن "عصابات الجريمة اليوم عرفت كيف ترسم الحدود الدقيقة لها، بمعنى أن كل عملها في المجتمع الفلسطيني، وأن احتمال أن يصيب إطلاق النار يهودي، غير موجود".
"حتى في المدن المختلطة حسب التصنيف الإسرائيلي، والتي يسكنها فلسطينيون ويهود، لا تخطئ منظمات الجريمة في إطلاق النار، ولا يصيب القتل يهوديًا، وهذا برهان على أن ما يجري مدروس ومنظم"، وفق حداد.
ويشدد على أنه "لو كان هذا الحال الذي وصل إليه المجتمع الفلسطيني بالداخل، بين اليهود، ما سمح الهرم السياسي الإسرائيلي بالوصول إلى حتى نسبة منه، وهذا ما حدث في عملية التنظيف الجنائي لتل أبيب قبل سنوات".
ويستدرك "لكن اليوم تتعامل إسرائيل بمنظوماتها كاملة مع الجريمة، ضمن مقولة: فخار يكسر بعضه، بالرغم من ضلوعها في غرس العصابات بالمجتمع الفلسطيني".
ويصل حداد إلى نتيجة مفادها "أنه لا يمكن لجم ظاهرة الجرائم المستفحلة في الداخل، دون خطة رادعة وتطبيق القانون والتأهيل والمتابعة، تشارك فيها كل الوزارات بقرار جدي من رأس الهرم السياسي".
وفي ظل حكومة الاحتلال الحالية التي يرأسها نتنياهو ويتقلد المتطرف "إيتمار بن غفير" وزارة الأمن القومي فيها، فإن مثل هذه الخطة لن تكون، كما أن هذه الحكومة ألغت خطة "المسار الآمن"، التي وضعتها الحكومة السابقة لمواجهة الجريمة في الداخل، كما يشير حداد.
ويتأسف بالقول: "إن المجتمع الفلسطيني بالداخل أصبحت أولوياته اليوم الأمن والأمان، أكثر من الاهتمام بالملف السياسي وقضايا القدس والأقصى، وهو ما يشكل مبعث ارتياح للحكومة الإسرائيلية.
ويقف المجتمع الفلسطيني بالداخل المحتل أمام مفترق طرق يهدد وجوده وكينونته؛ فإما الانزلاق نحو منحدر أخطر في الجرائم، أو وضع حد لذلك عبر آليات عملية مدروسة، وتحميل "إسرائيل" مسؤولية ذلك باعتبارها السلطة القائمة.