أطلق عليها إسرائيليًا حرب "الأيام الستة"، من باب التفاخر بالمدة الزمنية القصيرة التي هَزمت خلالها الجيوش العربية، فيما باتت تعرف بعد ذلك بـ " النكسة".
ويقول مؤرخون عرب، إن "إسرائيل" استغلت عدة أمور، لتبرير شنها لهذه الحرب، ومنها إغلاق مصر لـ"مضيق تيران" بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي اعتبرته "إعلانًا مصريًا رسميًا للحرب عليها"، وذلك في 22 مايو/أيار 1967.
وفي 5 يونيو/حزيران 1967 كان الفلسطينيون على موعدٍ مع احتلال ما تبقى من أرضهم بعد هزيمة سريعة للعرب لم تتجاوز 6 أيام نجح فيها الجيش الإسرائيلي في السيطرة على قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية إلى جانب احتلال مساحات واسعة من الأراضي المصرية والسورية.
وشكلت هذه الهزيمة صفعة جديدة للعرب وخيبة أمل كبيرة للفلسطينيين الذين لم يكونوا قد تعافوا بعد من آثار النكبة وخذلان العرب في تحرير أراضيهم من الاحتلال الإسرائيلي الذي سيطرت عصاباته الصهيونية على جزء كبير منها خلال عام 1948.
وإلى جانب ذلك، فقد عززت نتائج هذه الحرب من السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية على مستوى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ما أدى إلى تمدد الاستيطان الإسرائيلي في هذه المناطق على حسب الوجود الفلسطيني واضطرار مئات الآلاف من الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم من جديد.
انتهت حرب 1967 عسكريًا، لكن تبعاتها السياسية والجغرافية لم تنته بعد، حيث تواصل "إسرائيل" احتلال الضفة الغربية، ومحاصرة قطاع غزة، إلى جانب ضم القدس والجولان لحدودها، والمضي في المشاريع الاستيطانية بمدينة القدس.
وتشير التقديرات إلى أن الاحتلال يستولي على 85% من أراضي فلسطين التاريخية البالغة نحو 27 ألف كيلومتر مربع، ويواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين إلا 15% فقط، وتخضع للاحتلال الإسرائيلي.
وخلال الحرب دمر الاحتلال ما يقدر بنحو 70 إلى 80% من العتاد العسكري في الدول العربية، كما لحق الضرر بنحو 2 إلى 5% من عتادها العسكري، إلى جانب احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان السورية.
ووفق إحصاءات فلسطينية فقد ترتب على النكسة تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، معظمهم نزح إلى الأردن، في حين ترتب على النكسة تسجيل ما يزيد على مليون حالة اعتقال لفلسطينيين منذ عام 1968 وحتى الآن.
مسارات القضية الفلسطينية ما بعد النكسة
ويقول الكاتب سامي عبد الرحمن، إنه رغم أن النكسة قضت مرحليًا في حينه على حلم العودة الذي راود الفلسطينيين بالعودة إلى الأراضي المحتلة عام 1948، فإن ذلك شكل مسارًا جديدًا في تاريخ القضية الفلسطينية كان أبرزها تشكيل التنظيمات الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وخلال الفترة ما بعد النكسة ظهرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ثم توالت الحركة الوطنية بالجبهتين الشعبية (القيادة العامة) والديمقراطية، مرورًا بغيرها من التنظيمات التي تواصل ظهورها حتى صعود التيار الإسلامي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.
وشهدت فترة ما بعد حرب "الأيام الست" بداية انتشار الفدائيين الفلسطينيين في دول الطوق الملاصقة للحدود المحتلة مع فلسطين خاصة الأردن ولبنان وسوريا، إذ بدأ العمل المقاوم يظهر من خارج فلسطين، بعد سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة بيد "إسرائيل" وإكمال احتلالها لأرض فلسطين.
اللاءات الثلاثة.. لا تفاوض لا اعتراف لا صلح
كان من نتائج حرب الـ 67، صدور قرار مجلس الأمن رقم (242)، وانعقاد قمة اللاءات الثلاثة العربية في الخرطوم، وتهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
ما بين 29 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول 1967 بُعيد هزيمة النكسة في يونيو/حزيران 1967 التي احتلت القوات الإسرائيلية خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، انعقدت القمة العربية وحضرتها كل الدول العربية باستثناء سوريا التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد "إسرائيل".
دفعت ظروف الهزيمة باتجاه تبني القمة العربية قرارات "حازمة" مثل إعلان اللاءات الثلاثة: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل"، وخلقت أجواء "مصالحة عربية جدية" تجلت في الصلح بين أكبر زعيمين عربيين حينها، الراحلان الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك السعودي الملك فيصل.
ويرى مراقبون أن قمة الخرطوم استطاعت بقراراتها أن تؤكد أن العرب يستطيعون قطع الطريق أمام "إسرائيل" والولايات المتحدة الساعيتين لاستغلال ضعف العرب جراء الهزيمة، ويرفضون الاستسلام رغم التفوق العسكري الإسرائيلي الكبير والدعم الأمريكي الغربي اللامحدود لـ"إسرائيل"، لذلك وُصفت هذه القمة بأنها كانت "الأقوى في تاريخ القمم العربية".
شكلت هذه القمة، وهذه اللاءات الثلاثة دافعًا أكبر للفعل المقاوم الفلسطيني، خصوصًا أن هذه القرارات جاءت بعد فترة وجيزة من النكسة واحتلال ما تبقى من فلسطين، غير أن الأمر لم يدم إلا سنوات بسيطة حتى انفرط عقد رفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وشكلت حرب عام 1973 أولى الضربات في خاصرة المقاطعة والممانعة للاحتلال، حيث جاءت اتفاقية كامب ديفيد الأولى التي جرت في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات ليبدأ معها أول عهد الانفتاح العربي على الاحتلال قبل أن يتتابع الأمر باتفاقيات جرت مع الأردن مرورًا بغيرها من الدول.
تفاوض وصلح واعتراف.. كيف تبدل الحال؟
مع تتابع الاتفاقيات والاعترافات التي جرت بالاحتلال الإسرائيلي بداية من مصر مرورًا بالأردن إلى أن وصل الأمر ليشمل دولًا خليجية وعربية مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وسط حديث عن مباحثات تجري مع السعودية للوصول إلى اتفاقيات تطبيع.
وعن تبدل الاحتلال إلى انتهاء مرحلة "اللاءات الثلاثة" يمكن الإشارة إلى أن الواقع السياسي لعب دورًا بارزًا في الوصول إلى مرحلة القبول بالتطبيع، إذ سعت بعض الدول المطبعة للحفاظ على واقعها السياسي الحاليّ وحماية كراسي حكامها في ظل الأوضاع غير المستقرة داخليًا.
وإلى جانب ذلك، فإن الكثير من هذه الدول روجت لفكرة المشهد الاقتصادي والمصالح التجارية التي من شأنها أن تساهم في التخفيف من الأزمات الاقتصادية الموجودة في هذه البلدان، عبر التعاون الاقتصادي مع الاحتلال على اعتبار أن اقتصاده من أقوى الاقتصاديات في العالم.
وبموازاة هذا الأمر فإن بعضًا من قادة هذه الدول روجوا لفكرة أن التطبيع من شأنه أن ينعكس بالإيجاب على القضية الفلسطينية كما روج آل زايد في الإمارات لهذه الفكرة عند توقيع اتفاقيات "أبراهام" برعاية أمريكية قبل عدة سنوات وبحضور بحريني مغربي ضمن هذه الاتفاقيات.
مستقبل القضية.. حصار المقاومة وخنق الفلسطينيين؟!
بعد مرور 56 عامًا على النكسة يمكن القول إن مستقبل القضية الفلسطينية يبدو بلا ظهيرٍ عربي حقيقي في ظل الثورات المضادة للربيع العربي، وتسارع اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والحديث عن إمكانية عقد المزيد من الاتفاقيات خلال الفترة المقبلة.
وفي الوقت ذاته، فإن هذه الاتفاقيات لم تقف عند حدود إقامة علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، بل تجاوزت هذا الحد لتصل إلى مرحلة التضييق على الفلسطينيين وخنقهم وفرض حصار على المقاومة الفلسطينية تحت ذرائع وادعاءات عدة.
وإلى جانب حصار المقاومة الفلسطينية، يعود الحصار المالي إلى الواجهة إذ يعاني الفلسطينيون من أزمات مالية واقتصادية كشكل من أنواع الضغط العربي الذي يمارس للقبول بأي حلول في الفترة الراهنة تنهي الملف الفلسطيني وتجعل الاحتلال كيانًا دائم الوجود.
ويمكن هنا الإشارة للكثير من الطروح السياسية التي يتم تسريبها بين فترة وأخرى أو حتى من خلال القمم الأمنية التي يتم عقدها كقمة شرم الشيخ وقمة العقبة، كما حصل خلال الشهور الثلاث الماضية حيث استهدفت هذه القمم فرض الهدوء في المنطقة للحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية.
المصدر: وكالات