في منطقة استراتيجية مهمة تقع غربي بلدة أبو ديس شرق القدس المحتلة، ومطلة على المسجد الأقصى المبارك، وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي يدها على مئات الدونمات، لتحويلها إلى حي استيطاني ضخم يُطلق عليه "كدمات زيون".
أبو ديس بلدة مقدسية صغيرة لا تتجاوز مساحتها 4 كيلو متر مربع، تبعد نحو 4 كم عن المدينة المقدسة، يحدها من الشمال الغربي جبل المكبر، والسواحرة الغربية غربًا، وقرية السواحرة الشرقية شرقًا وجنوبًا، وبلدة العيزرية وجبل الزيتون شمالًا.
ووفقًا لاتفاقيّة أوسلو الثانية الموقّعة في 28 أيلول/ سبتمبر 1995، قُسّمت أراضي أبو ديس إلى مناطق (ب) و(ج)، وجرى تصنيف ما مساحته 3513 دونمًا كمناطق (ب)، تسيطر السلطة الفلسطينية فيها على النواحي المدنية فقط.
كما صنفت الاتفاقية ما مساحته 20127 دونمًا كمناطق (ج)، تخضع لسيطرة الاحتلال الكاملة أمنيًا وإداريًا، ويُمنع فيها البناء الفلسطيني أو الاستفادة منها بأي شكل من الأشكال إلا بتصريح مما تسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية.
وسلب الاحتلال آلاف الدونمات من أراضي البلدة لإقامة المستوطنات، وخاصة مستوطنة "معالي أدوميم"، بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري، الذي حرم أهلها من الصلاة في أولى القبلتين وثالث الحرمين، بل واخترق أراضيها وقسم العائلات إلى قسمين، ما أدى لخنقها وعزلها.
هجمة لا تتوقف
ويعاني أهالي أبو ديس من هجمة إسرائيلية لا تتوقف منذ سنوات، بهدف توسيع المستوطنات، وإقامة أحياء استيطانية جديدة، كان آخرها مصادقة "لجنة التخطيط والبناء المركزية" الإسرائيلية في القدس على إقامة حي استيطاني جديد غربي البلدة، كما يقول رئيس لجنة الدفاع عن أراضي أبو ديس بسام بحر.
ويوضح بحر، في حديث لوكالة "صفا"، أن حكومة الاحتلال أعلنت عن إقامة حي استيطاني يُسمى "كدمات زيون" في المنطقة الغربية للبلدة، وهي منطقة حيوية استراتيجية مطلة على المسجد الأقصى.
ويضيف أن الاحتلال فصل سابقًا المنطقة الغربية عن مساحة البلدة الكلية، وصادرها، وأقام جدار الفصل العنصري فيها، ومنع الأهالي من الوصول إليها واستخدامها والبناء فيها.
ومساحة المنطقة الغربية الإجمالية- كما يبين بحر- تبلغ 1600 دونم، سيقام الحي الاستيطاني على مساحة 650 دونمًا، يضم نحو 460 وحدة استيطانية.
ويشير إلى أن الاحتلال عمل على تهيئة المنطقة المذكورة لإقامة الحي الجديد، وتجهيز البنية التحتية من طرق وشوارع وكهرباء، كما استولى على منزلين فيها، وأعطى الضوء الأخضر للبدء في بناء الوحدات الاستيطانية.
ووفقًا للمختص في شؤون الاستيطان، فإن المشروع استيطاني ضخم ويهدف بالأساس إلى خلق واقع جديد بالمنطقة الشرقية، ومحيط المسجد الأقصى، وتشكيل حزام استيطاني يلتف حوله من الجهات كافة.
ويلفت إلى أن هناك مخططًا تهويديًا آخر لإقامة ما يسمى "شارع الطوق" في المنطقة الغربية لأبو ديس، لربط المستوطنات كافة بالقدس ببعضها البعض، بالإضافة إلى فتح أنفاق جديدة لخدمة المستوطنين.
ومدينة القدس كانت تشكل شريان الحياة لأهالي أبو ديس، لارتباطها الرئيس بها اقتصاديًا وصحيًا واجتماعيًا وتعليميًا، لكن الجدار حولها إلى جزيرة معزولة ومقسمة، وبلا أي تواصل جغرافي، ما ألقى بظلاله على حياة أهلها.
وكانت خطة "السلام" التي عرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب المعروفة باسم "صفقة القرن"، اقترحت بلدة أبو ديس عاصمة لدولة فلسطين، بديلًا عن مدينة القدس، مع الإبقاء على جدار الفصل بين المدينة وأحيائها الشرقية كحدود للدولة الفلسطينية.
معاناة مضاعفة
ويوضح بحر أن المشاريع الاستيطانية التهمت معظم أراضي البلدة المزروعة أغلبها بأشجار الزيتون، مما حرم أهلها من مصدر رزقهم الرئيس، وأفقد البلدة مساحات خضراء واسعة.
وحال أبو ديس كحال الكثير من البلدات والأحياء الفلسطينية، إذ تعاني من الاكتظاظ السكاني، بسبب حرمانها المتواصل من التوسع الجغرافي والعمراني شرقًا وغربًا.
ويبين بحر أن سلطات الاحتلال أخطرت عائلة القنبر التي تقطن غربي أبو ديس بهدم منازلها، بادعاء أن هذه الأراضي تعود ملكيتها لليهود، مما يُنذر بتهجير ما يزيد عن 60 شخصًا، وسلب آلاف الدونمات من أراضيهم، لصالح الاستيطان.
ويستوطن في البلدة 12 عائلة يهودية في مبنيين سكنيين صغيرين، ويُعد هذا الجيب واحد من الجيوب اليهودية الصغيرة داخل الأحياء الفلسطينية في القدس، والتي تهدف إلى سيطرة "إسرائيل" على المدينة بأكملها.
والاستهداف الإسرائيلي المتواصل لأبو ديس، يزيد من معاناة أهلها، ويُضيق الخناق أكثر عليهم، ويجعلها منطقة محاصرة بالمستوطنات على طول حدودها، تمهيدًا لتهويد مدينة القدس، وجلب أكبر عدد من المستوطنين إلى داخل أحياء المدينة.
ويؤكد المختص في شؤون الاستيطان، أن الاحتلال يريد السيطرة على المزيد من الأراضي، وخلق واقع استيطاني آخر وصولًا إلى المسجد الأقصى، وإقامة حزام استيطاني حوله، صمن ما يُسمى "الحوض المقدس".