قراراتٌ عنصرية اتخذتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن مدينة القدس المحتلة، حملت في طياتها دلالات وانعكاسات خطيرة على المسجد الأقصى المبارك خاصةً، والمقدسيين عامةً، بهدف تكريس وشرعنة التهويد والاستيطان، واعتبار "القدس بشطريها عاصمة للشعب اليهودي".
وخلال اجتماعها الأسبوعي داخل أحد أنفاق حائط البراق غربي المسجد الأقصى المبارك أمس الأحد، رصدت حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة ميزانيات ضخمة لصالح تهويد المدينة وتعزيز الاستيطان، وتشجيع اقتحام المتطرفين اليهود لساحة البراق.
وأبرز هذه القرارات تمثلت في تخصيص 4 ملايين شيكل إضافية لتشجيع اقتحام حائط البراق والمسجد الأقصى، وتخصيص 30 مليون شيكل لمواصلة الحفريات في منطقة حي المغاربة وحائط البراق، بحجة البحث عن الآثار، وتشكيل لجنة وزارية تحمل اسم "القدس الكبرى"، مهمتها إحياء "القدس كعاصمة لإسرائيل".
وتضمن الاجتماع المصادقة على تخصيص ميزانية ضخمة لتطوير مشروع ما يسمى "الحوض المقدس"، الذي يعتبر أكبر عملية عبث وتزوير بالتاريخ الإسلامي العربي الفلسطيني بالقدس.
وتأتي القرارات الاحتلالية بعد يومين من تنظيم "مسيرة الأعلام" الاستفزازية في القدس، وانتهاء القمة العربية في جدة، والتي أعادت التمسك بالقدس عاصمة لفلسطين، مما يشكل تحديًا للأمة العربية، واستهتارًا بمشاعر المسلمين والعرب.
تصعيد خطير
نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس ناجح بكيرات يقول إن اختيار حكومة الاحتلال لأن يكون اجتماعها أسفل المسجد الأقصى يشكل تحديًا للأمة العربية والإسلامية، وقلب للطاولة على كل الدول التي اعتبرت القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ويوضح بكيرات، في حديث لوكالة "صفا"، أن بنيامين نتنياهو يُؤكد بذلك، على "شرعنة القدس باعتبارها عاصمة يهودية لدولة الاحتلال، وليس عاصمة للشعب الفلسطيني".
ويضيف أن مصادقة الحكومة المتطرفة على جملة من القرارات والمشاريع التهويدية والاستيطانية، وتخصيص ميزانيات ضخمة لتهويد المدينة يُشكل تصعيدًا خطيرًا جدًا، وما مشروع تهويد ما يسمى "الحوض المقدس" إلا تدمير للبنية الديمغرافية للمقدسيين، واعتداء على أحياء سلوان ورأس العامود والشيخ جراح.
ويبين أن هذا المخطط يعني تنفيذ حملة قريبة لهدم حي البستان وترحيل سكانه، وصولًا إلى بلدة الطور، والقيام بعمليات تطهير عرقي لهذه الأحياء المقدسية.
ويتابع "نحن أمام حرب ديمغرافية قادمة لطرد المقدسيين وتهجيرهم من أراضيهم ومنازلهم، وتحويلها لحدائق ورموز توراتية، وكذلك التعدي على مقبرتي باب الرحمة واليوسفية، ومصادرة حوالي 2500 دونم من محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وأيضًا استكمال مشاريع تهويدية بالمدينة".
ويؤكد أن الاحتلال يساق الزمن لأجل تغيير الرؤية البصرية للمدينة المقدسة، والمضي قدمًا باتجاه فرض التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، وإيجاد مكان له داخل المسجد.
السيطرة على الأقصى
ووفق بكيرات، فإن "بحث حكومة الاحتلال قضية الأقصى خلال اجتماعها في أنفاق البراق، كي ترسل رسالة واضحة للأمة العربية والإسلامية مفادها أننا سيطرنا على جذر الأقصى، وغدّا قد نستولي على ما فوقه، فهم يخططون لتقسيمه، وتفتيت وإنهاء الوجود الإسلامي فيه".
وما رافق الاجتماع الإسرائيلي من اقتحام لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير للأقصى، وحملة الاعتقالات والإبعاد بحق المقدسيين، بالإضافة إلى اعتداءات المستوطنين في البلدة القديمة- كما يقول بكيرات- يدلل دلالة واضحة على أن الهدف الرئيس ليس ديني وإنما سياسي لخروج نتنياهو من أزماته الداخلية.
ويضيف "نحن أمام مرحلة جديدة تستهدف نقل الصراع من الداخل إلى العالم، فالأمور تزداد تفجرًا وتعقيدًا، وما يجري في القدس يدلل على عنجهية الاحتلال ومحاولته لفرض سيطرته وسيادته على المدينة".
و"ما قرار حكومة الاحتلال تشكيل لجنة وزارة لشؤون القدس الكبرى إلا وسيلة لتوحيد جهود كل المؤسسات الاحتلالية العاملة على تهويد القدس وعددها ما يزيد عن 85 مؤسسة، تحت لجنة واحدة، مهمتها الإسراع أكثر في إتمام عمليات التهويد والاستيطان بالمدينة". وفق بكيرات
ويوضح أن الاحتلال يعمل على إيجاد طرق ووسائل جديدة لأجل قمع الفلسطينيين وتهجيرهم من القدس، وزيادة تعيين أكبر عدد ممكن من عناصر الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية بالمدينة، لربط شطرها الشرقي مع غربها.
إنهاء الاحتلال
ويؤكد أن حكومة الاحتلال بقراراتها الخطيرة تريد تفتيت الأحياء المقدسية، وجلب أكبر عدد ممكن من المستوطنين المقتحمين، وتسهيل إسكان اليهود بالبلدة القديمة، وكذلك زيادة الإمعان في التنكيل بالمقدسيين ومعاقبتهم ومصادرة أراضيهم والاستيلاء على بيوتهم.
والأخطر من ذلك- كما يحذر بكيرات- "تحويل القدس من عاصمة للشعب الفلسطيني إلى عاصمة لمشروع الدولة اليهودية، فضلًا عما يتعرض له المسجد الأقصى من محاولات لتقسيمه، تمهيدًا لهدمه وإزالته من الوجود".
ويقول: إن "رباطنا وشد الرحال للأقصى، واستمرار مقاومة الاحتلال من أكبر القضايا التي تُفشل مخططاته، وعلينا أن نبقى صامدين ثابتين في القدس، وألا نيأس ولا نستسلم ولا نتنازل عن شيء".
ويشدد على أن السرطان الإسرائيلي لن يتوقف إلا بإنهاء الاحتلال، لذلك لابد من وجود قرار فلسطيني عربي إسلامي جاد وحقيقي للعمل على محاصرة هذا الاحتلال ومحاكمته وإنهاء وجوده.