تحولت مدينة القدس المحتلة، ولاسيما بلدتها القديمة إلى ثكنة عسكرية، وكابوس على أهلها ومسجدها الأقصى المبارك، عشية "مسيرة الأعلام" الإسرائيلية، لما تشهده من استنفار إسرائيلي غير مسبوق وإجراءات عنصرية مشددة، وحالة تخنق المقدسيين وتشل حياتهم.
ورفعت شرطة الاحتلال مستوى التأهب والاستنفار في صفوف قواتها، وحولت البلدة القديمة ومنطقة باب العامود ومحيط المسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية، لتأمين المسيرة الاستفزازية غدًا الخميس، وسط مخاوف من انفجار الأوضاع.
ومن المقرر أن يُشارك نحو 3 آلاف عنصر من شرطة الاحتلال في تأمين مسيرة المستوطنين التي تُنظم سنويًا في ذكرى ما يسمى يوم "توحيد القدس"، أي ذكرى احتلال الشطر الشرقي للمدينة عام 1967.
ترقب شديد
وتسود أوساط الفلسطينيين حالة من الترقب الشديد لما ستؤول إليه الأوضاع غدًا في مدينة القدس، خاصة أن كل الأنظار تتجه نحو المدينة، وما يمكن أن يحمله هذا اليوم من تطورات وأحداث ميدانية.
وتحظى الجماعات المتطرفة التي تُشرف على تنظيم المسيرة، بدعم قوي من المستوى السياسي الإسرائيلي، والذي يعمل دومًا على تكريس مبدأ فرض "السيادة الكاملة" على القدس، حيث أصبح هذا العام، منظموها أمثال المتطرف "إيتمار بن غفير"، و"بتسلئيل سموتريتش" من صناع القرار في "إسرائيل".
ووفق مسارها السنوي، تنطلق المسيرة عادةً من شارع يشق مقبرة مأمن الله غربي القدس، وصولًا إلى باب الجديد، ومنه ينطلق قسم من المستوطنين إلى حائط البراق مباشرة عبر باب الخليل، والآخر يتجه إلى باب العامود وطريق الواد وصولًا إلى حائط البراق.
ولأول مرة منذ تنظيمها، أعلن نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس أريه كينج عن مسارات جديدة للمسيرة التهويدية.
ودعا كينج المستوطنين إلى ارتياد عدة مسالك، وهي طريق جبل المشارف خروجًا من مستوطنة "بيت أوروت" في قرية الطور، وطريق جبل الزيتون خروجًا من مستوطنة "هار هزيتيم" في حي رأس العامود، إلى جانب لقاء مباشر مع الجنود الذين احتلوا القدس عام 1967 في عدة نقاط، منها باب الأسباط والشيخ جراح وجبل المكبر.
ورغم التهديدات المتطرفة باقتحام الأقصى في إطار خط سير المسيرة، إلا أن قائد شرطة الاحتلال بالقدس دورون تورجمان، قال إن مسرة الأعلام لن تمر في المسجد، ولم تتم الموافقة على ذلك.
وأضاف "في العام الماضي، كان هناك من رفعوا الأعلام التي أخفوها تحت ملابسهم وسرعان ما أُخرجوا من هناك".
كابوس وخطر
المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول إن استعدادات الاحتلال لـ"مسيرة الأعلام" ستبلغ ذروتها مساء اليوم وصباح غد، عبر إغلاق الشوارع والطرقات المؤدية لباب العامود، وباب الجديد وحي المصرارة، وشارع يافا بشكل كامل.
ويوضح أبو دياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن الإغلاقات ستطال شارعي صلاح الدين ونابلس مقابل باب العامود، بالإضافة إلى مثلث بلدة سلوان ووادي الجوز وباب الخليل، وسط انتشار عسكري غير مسبوق لقوات الاحتلال في المناطق التي تجتازها المسيرة.
ويضيف أن "مسيرة الأعلام سياسة إسرائيلية أيدلوجية، تشكل كابوسًا وخطرًا حقيقيًا على القدس، وتُحول حياة سكانها إلى جحيم، بفعل الإجراءات الاحتلالية وحالة الاستنفار غير المسبوقة في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى، بغية توفير الحماية للمستوطنين المشاركين بالمسيرة".
ويبين أن غدًا سيكون يومًا عصيبًا على المقدسيين، لما سيتخلله من انتهاكات واعتداءات من المستوطنين وشرطة الاحتلال، وأعمال استفزازية، ناهيك عن إغلاق المحال التجارية في البلدة القديمة، بما يُؤثر على الحركة الشرائية، بالإضافة إلى حركة التنقل.
ويشكل باب العامود والأقصى محور المواجهات، وبؤرة الصراع مع الاحتلال، بهدف "حسم السيادة على المدينة المقدسة، وترسيخ الوجود اليهودي".
ووفق أبو دياب، فإن "إعلان نائب رئيس بلدية الاحتلال عن مسارات جديدة للمسيرة هي محاولة لترسيخ "الوجود" الإسرائيلي في تلك المناطق، وتوسيع دائرة المواجهة والاشتباك لتشمل أحياء مقدسية أخرى، وأيضًا صبغ القدس بألوان أعلام الاحتلال".
ويرى أن "جماعة المتطرف بن غفير يبحثون عن إشعال المنطقة، لأجل تحقيق مكاسب سياسية، وربما خلط الأوراق، بغية فرض سيادتهم المزعومة على القدس".
صاعق تفجير
ويشير إلى أن "منظمات الهيكل" تُحاول حشد ما بين 50-70 ألف مستوطن من كل أنحاء فلسطين التاريخية للمشاركة في "مسيرة الأعلام"، حيث جرى استئجار حافلات لأجل نقل هؤلاء المشاركين إلى المدينة المحتلة.
ويبين أن حكومة الاحتلال وبلديتها خصصت 110 مليون شيكل لكافة ترتيبات المسيرة، والتي تشرف عليها عدة وزارات احتلالية، هي: الأمن القومي، والثقافة والشباب، والمالية، وما تسمى وزارة تطوير النقب والجليل، بالإضافة إلى بلدية الاحتلال.
والأخطر غدًا -كما يحذر الباحث المقدسي- حشد الجماعات المتطرفة لاقتحام نحو 5 آلاف مستوطن للمسجد الأقصى صباحًا، ومحاولة تحديد أعمار المصلين المسموح لهم بدخول المسجد، وكذلك رفع أعلام الاحتلال داخل باحاته، والمطالبة باقتحام المسيرة للمسجد من باب الأسباط.
ورغم تلك المطالبات المتطرفة، إلا أن أبو دياب يؤكد أن المستوطنين لن يتمكنوا من اقتحام الأقصى في ساعات المساء، لأن ذلك يشكل صاعق تفجير في المنطقة بأكملها.
ويشدد على أن التواجد والرباط الكثيف والدائم في المسجد الأقصى يشكل صمام أمان في إفشال نوايا الاحتلال ومستوطنيه، وأهل القدس يعُون تمامًا ما يقع على عاتقهم، لأن الدفاع عن القدس والأقصى وحمايتهما واجب شرعي وطني.