تواصل غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، معركة "ثأر الأحرار"، التي أطلقتها ظهر الأربعاء، رداً على عملية اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لثلاثة قادة من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، واستشهاد 18 فلسطينياً خلال العدوان الجديد.
وتدير غرفة العمليات المشتركة العملية التي تقودها "كتائب القسام" باقتدار كبير، وبتنسيق كامل بين الفصائل المنضوية تحت رايتها، ما يوحد جهود المقاومة ويعطي قوة وتأثيراً أكبر في مواجهة الكيان الإسرائيلي.
وتأسست غرفة العمليات المشتركة التي أعلن عنها كنواة لـ"جيش التحرير" في معركته ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 2006، وظهرت في صيغتها الأولية بين الجناحين المسلحين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهما كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس على التوالي.
ونصت وثيقة الوفاق الوطني في مايو/أيار 2006 على "تشكيل جبهة مقاومة موحدة للمقاومة ضد الاحتلال، وتنسيق عملها، وتشكيل مرجعية سياسية موحدة لها".
وحين اندلعت مسيرات العودة على حدود غزة أواسط 2018 أعلن عن غرفة العمليات رسميًا في يوليو/تموز من العام ذاته.
وباتت الصيغة المفضلة للمقاومة بخوض مواجهتها مع الاحتلال من خلالها، بعيدًا عن المواجهة الفردية لكل فصيل على حدة، ومع مرور الوقت تطور عملها فباتت تصدر بيانات عسكرية باسمها هي، باستثناء حالات خاصة.
ونجحت الغرفة بتحييد التباينات السياسية بين الفصائل المنضوية تحتها لصالح الوحدة بميدان المقاومة فتوحدت الرايات واختفت الألوان لأن "المواجهة والدفاع عن الأرض لا يحتملان هذا التباين".
وعلى الصعيد العسكري، يتمثل عملها بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة، مما زاد الضغط على جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وفي وقت أبرز لحمة المقاومة وتكاتفها، واستعدادها للتوافق على وحدة ميدانية، ويعد التنسيق العسكري الميداني أعلى صور التعاون والتنسيق التي ميزت العلاقات المتبادلة بين أجنحة المقاومة.
فصائل تشارك بالغرفة
وتضم غرفة العمليات 12 جناحًا عسكريًا، وهي: كتائب الشهيد عز الدين القسام، سرايا القدس، كتائب شهداء الأقصى- لواء العامودي، كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، كتائب أبو علي مصطفى، كتائب الشهيد جهاد جبريل، كتائب الأنصار، كتائب المجاهدين، مجموعات الشهيد أيمن جودة، وجيش العاصفة.
وتعتبر الأجنحة المسلحة أن قتالها المشترك ضد الاحتلال يحمل بذور تشكيل جيش وطني لمواجهته دون استحواذ فصيل على آخر، بل بتنسيق ميداني عملياتي، لإشراك كافة الفصائل لتنفيذ العمليات المشتركة، ولا سيما أن برامجها السياسية متقاربة، مما يجعل من توجهها هذا استراتيجياً وليس تكتيكياً.
وتصدر الغرفة بيانات موحدة تؤكد فيها جاهزيتها للتصدي لأي عدوان إسرائيلي رغم أنها لا تصادر استقلالية كل جناح، ولا تسعى لدمجه كليا مع باقي الأجنحة، فلكل هويته الخاصة.
مناورات عسكرية
وأواخر عام 2020 شهد قطاع غزة ولمدة يومين تنفيذ أول مناورة عسكرية للغرفة تحت اسم "الركن الشديد 1"، وشملت تنفيذ تدريبات برية وبحرية وجوية وبالذخيرة الحية تحت غطاء الطائرات المسيرة التي حلقت في أجواء القطاع، وتخللها إطلاق صواريخ تجريبية باتجاه البحر، وتعبها مناورتين في عام 2021 وعام 2022.
ودأبت على المستوى الإعلامي على إصدار البيانات المشتركة الصادرة عنها بشكل موحد، سواء عن عمليات مشتركة ضد الاحتلال، أو إعلان مواقف محددة تجاه تطورات سياسية، أو مستجدات ميدانية، مما منحها قوة اعتبارية وميدانية كونها تعبر عن تعاون فصائل المقاومة، وتكرس مواقف تجمع عليها.
نواة لجيش التحرير
ويتوقع الفلسطينيون منها أن تشكل لهم في المستقبل جبهة مقاومة موحدة، وإلى جانب الأداء العسكري الجماعي فإن السعي الفلسطيني يصل إلى أن تصدر عنها قرارات سياسية واحدة، وتجميع قدرات قوى المقاومة برؤية واحدة، مما يخدم خطة حمايته من الاحتلال الإسرائيلي، ويخفف أي خسائر، وأن يكون بعيدا عن التكتيك الآني، بل التفكير إستراتيجيا.
وسعت فصائل المقاومة لتأسيس هذا الجسم لتحقيق جملة أهداف، من أهمها: عدم ترك الساحة العسكرية للاجتهادات الفردية لهذا الفصيل المسلح أو ذاك، مما أسفر عما يسميه الفلسطينيون "وحدة الحال" الميدانية، وكذلك الحيلولة دون نجاح محاولات أجهزة مخابرات الاحتلال للإيقاع بين الفصائل العسكرية، وإرباك خططها القتالية.
وأيضًا إمداد القوى المسلحة الكبرى -مثل حماس- فصائل أصغر بالقدرات العسكرية، ومنحها فرصة استخدامها باسمها هي في بعض الأحيان دون حرج، بغرض المحافظة على الأداء الجماعي، ومساهمة كل الفصائل في صد أي عدوان.
وتحاول الغرفة إظهار مشهد قتالي وحدوي من شأنه تعزيز ثقة الجمهور الفلسطيني بفكرة المقاومة الموحدة وليس الفصائلية، والمحافظة على المخزون الاحتياطي من الأسلحة لدى مختلف الأجنحة، وعدم منح الاحتلال فرصة استهداف فصيل بعينه لاستنزاف قدراته القتالية، تمهيدا للانتقال إلى فصيل آخر.
وتحيط الخطط العسكرية التي تعمل وفقها الغرفة المشتركة والأجنحة المنضوية تحت لوائها الكثير من السرية، لكن العادة جرت أن توزع الفصائل الأدوار بينها.
فبينما تتولى الرئيسية منها ضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ تتحمل المجموعات الأخرى ضرب غلاف غزة بالقذائف القصيرة، وتوكل مهمة مشاغلة القوات البرية المحتلة لقسم ثالث لإعاقة أي تقدم لها باتجاه غزة.
وتدير غرفة العمليات المشتركة مهمة الموافقة على تكتيكات الفعل المسلح لها، لأن أهميتها تكمن بتحقيق أوسع قاعدة فصائلية شعبية داعمة لها، ودمج كافة القوى فيها، مما يعنيه ذلك من توفر أغلبية جماهيرية تتبنى هذا الخيار كمشروع مشترك.