في الوقت الذي تندد فيه "إسرائيل" بما يُسمى بـ"المحرقة النازية" إلى يومنا هذا، وتستنكر كل من يُذكرها بها، حينما يقارن جرائمها ضد الفلسطينيين بها؛ تُخفي بين طيات ملفات جرائمها، محرقة مماثلة مارستها ضد الفلسطينيين الذين أحرقتهم بأرضهم، تمامًا كما فُعل في "الهولوكوست" المزعومة.
وضمن ملف أطلقته وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" للكشف عن مجازر وملفات مخفية في أرشيف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، إبان سنة النكبة وما قبلها وبعدها، تسلط الضوء على ما فعلته "إسرائيل" بقرية ناصر الدين بأراضي الـ48.
وتستعين الوكالة بمحامين ونشطاء مختصين انبروا للكشف عن هذه الملفات، في خطورة لتقديمها ضمن ملفات لإدانة "إسرائيل" في محافل ومحاكم دولية.
وتقع قرية ناصر الدين جنوب غرب مدينة طبريا، على بعد 7 كيلومترات منها، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أحد قادة صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين الذي استشهد هناك وأقيم في القرية مقامًا له.
الانتقام
"في بداية شهر إبريل 1948 حاولت العصابات الصهيونية احتلال قرية ناصر الدين وتنفيذ مجزرتهم، فتصدى لهم مجاهدو القرية وعلى رأسهم المجاهد علي حسين الدلكي"، يروي المحامي جهاد أبو ريا، حول ما أحيك من مخطط لتنفيذ مجزرة بحق أهالي القرية.
ويضيف: "أهالي القرية نجحوا بإفشال هجوم تلك العصابات عدة مرات، فيما لجأت إلى الحيلة لاحتلال القرية عبر التخفي في الزي العربي".
وحسبما جاء في الملفات، فإنه وبتاريخ 14/4/1948 انطلق أعضاء العصابات الصهيونية من مستوطنة "بوريا" باتجاه قرية ناصر الدين بهدف تنفيذ مخططهم، حيث كانوا يتخفون بزيّ عربي، ومع اقترابهم من القرية، ظن السكان أن الوافدين من قوات النجدة المتوجهة نحو طبريا".
وظنّ الأهالي أن أولئك الوافدين من قوات "المجاهد أبو إبراهيم المتواجدة في كفر كنا، أو من قوات الضابط الألماني ماكس المتواجدة في عين ماهل"، لذلك تجمعوا وسط القرية لاستقبالهم والترحيب بهم.
استكمال مجزرة بمحرقة
ويصف أبو ريا بداية المجزرة: "مع وصول أعضاء العصابات بدأوا بإطلاق النار على السكان وأرادوا منهم 19 شهيدًا".
ويكمل: "ثم أضرمت العصابات النار في بيوت ناصر الدين فحرقوا البيوت على من فيها أحياءً، وسط صراخ وبكاء الأطفال والنساء والشيوخ التي كانت تعلو من بين الحريق، حتى وصل عدد شهداء قرية ناصر الدين أكثر من 50".
ورغم أن القرية، كان عدد سكانها قليل بلغ إبان النكبة نحو 90 شخصاً فقط؛ إلا أن لأبنائها كان دورٌ كبير في الثورة الفلسطينية، وعلى رأسهم المجاهد علي حسين الدلكي، الذي كان قائد حامية طبريا.
وجاء أن أبرز العمليات التي قام بها فصيل المجاهد علي الحسين ضد العصابات الصهيونية، منذ الثورة الفلسطينية عام 1936 وحتى النكبة، والتي أوجعتهم كثيراً، كانت سبباً في الانتقام من أهالي القرية المكلومة وتنفيذ المجزرة الرهيبة بحقهم".
ومع تنفيذ المجزرة، استمر نضال الأهالي بعد النكبة ضد "إسرائيل"، فكانت العملية الأولى لحركة فتح، في يوم انطلاقتها شتاء 1956من نصيب خمسة من أبناء عشيرة الدلكي، أبناء ناصر الدين، بقيادة المجاهد أحمد موسى الدلكي وأربعة من أبناء عمومته.
ونفذ العملية كل من: حسين إبراهيم الدلكي وحسن حميدي الدلكي، محمد عبد الله الدلكي، ووحش إبراهيم الدلكي، الذين فجروا نفق عيلبون، واستشهد أحمد موسى الدلكي بعد تنفيذ العملية، وهو في طريقه إلى الشونة، ليكون أول شهيد لحركة فتح.
وحول أساليب الاحتلال في معظم المجازر، فإن سياسة العصابات الصهيونية العامة كانت تقضي بتنفيذ مجزرة رهيبة في كل منطقة، بهدف بث اليأس والخوف في البلدات المجاورة، وحمل الأهالي على ترك بيوتهم وبلداتهم.
أما اختيار البلدة التي يتم بها ارتكاب المجزرة، فيتم ذلك بناءً على اعتبارات عديدة، أهمها الانتقام من البلدات التي شارك أبناؤها في الثورة الفلسطينية وفي الجهاد ضد العصابات الصهيونية، وفق أبو ريا.
ويُحي أبناء الشعب الفلسطيني الذكرى الـ75 للنكبة الفلسطينية بمايو المقبل، والتي ارتكبت عصابات "إسرائيل" خلالها مئات المجازر، لاحتلال فلسطين، وهجرت مئات الألاف في الوطن والشتات إلى اليوم.