لم يكن اختيار قرية اللجون المهجرة لتشهد اليوم مسيرة العودة الـ26، كمكان لعودة ألاف المهجرين، للمرة الثانية، بوقت توجد فيه عشرات القرى المهجرة، إلا لما من مكانة وموقع لهذه القرية، جعلها محطة لمعارك استراتيجية مع الاحتلال، مستمرة حتى اليوم.
وتقع قرية اللجون قضاء حيفا بالداخل المحتل، وهي قرية مهجّرة دمرتها عصابات "إسرائيل" عام 1948.
وإبان النكبة، وضعت العصابات الصهيونية قرية اللجون نُصب أعينها، وكان موقعها هدفًا للواء "غولاني" الذي هاجم كل من دخل القرية، قبله، حتى الفرق الصهيونية الأخرى، التي سبقته بدخول القرية.
ففي فبراير عام النكبة 1948، وضع لواء "غولاني" القرية نصب عينه، ضمن مخطط استهدف السيطرة على المساحة ما بين اللجون وأم الزينات، وهي المنطقة الغربية لمرج ابن عامر ووداي الملح.
وفي 30 مايو 1948 دُمرت القرية على يد العصابات الصهيونية المسلحة، وارتقى منها 21 شهيداً دفاعاً عن قريتهم وتم تهجير سكانها، واستقر معظمهم في أم الفحم لقربها.
محطة إستراتيجية
ويقول الكاتب وجدي حسن جميل في كتاب "رحلة عبر الزمن" الصادر عام 1998: "إن اللجون كانت محطة رئيسية وأساسية على الطريق بين حيفا وجنين، ما دفع بعض سكانها لتأسيس شركة باصات تعاونية كانت الأولى من نوعها بالمنطقة".
ويضيف "أطلقوا عليها اسم شركة باصات حيفا اللجون، وذلك في العام 1936، وكان أصحابها محمد العودة الحاج محمود صالح بدير محاجنة وإخوانه، بالشراكة مع سعيد العبدالله اغبارية وأبناؤه".
وحسب الكتاب الذي تطرق للجون وأم الفحم في الأجزاء الثلاثة الأولى منه، فقد كانت شركة الحافلات، كبيرة امتلكت 16 حافلة، وحصلت على امتياز لتسيير حافلات بين حيفا وجنين عبر اللجون-خط رقم 15، وبين عرعرة وحيفا- خط رقم 18، وبين اللجون وجنين-خط رقم 6.
ويفيد جميل "بأن الشركة استمرت بعملها بعد النكبة في جنين وأصبح اسمها شركة باصات فلسطين، وكانت الخطوط تصل مكة في الحجاز وعمان ودمشق وبيروت".
وتم إعادة إحياء الشركة بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 في جنين باسم "شركة باصات رمانة"، ولكنها انقسمت فتملك جزء منها أحمد الأسعد "أبو مهيوب"، وأسماها "شركة باصات الأسعد، فيما قام ورثة أبناء عودة ببيعها لاحقًا لملاكين من قرية تعنك وأصبح اسمها "شركة باصات مرج بن عامر".
ارتباطها الوطيد بأم الفحم
القرية ذات الموقع الاستراتيجي، لم يتبق منها اليوم سوى القليل من آثارها، كما أنه وفي العام 1949 أنشأ الاحتلال فوق أراضيها كيبوتس "مجيدو".
وتتميز القرية بكثرة الينابيع الجارية والعيون فيها، حيث يستقي منها الناس ويروون بساتينهم ومزروعاتهم من مياهها، والتي من أبرزها "عين خليل في الخربة التحتا، وبالقرب منها عين الست ليلى"، وغيرها.
كما أن أراضي اللجون هي قسم من أراضي قرية أم الفحم التي كان ينزلها سكانها في المواسم الزراعية، وبعد الانتهاء منها كان المزارعون يعودون إلى منازلهم في أم الفحم.
إلا أن سكان أم الفحم اضطروا بعدئذ للإقامة في القرية المهجرة لكثرة مزروعاتهم وغلاتهم فيها، وقد كان عددهم في سنة 1922م 417 شخصاً، فيما بلغوا في عام 1931م 857 شخصاً، وفي نهاية عام 1940 قُدر عدد سكان اللجون من أم الفحم 1103 أشخاص.
وجاء "أنه تأسست في اللجون مدرسة للحكومة في تاريخ 11-12-1937 ضمت في 1-7-1944 عدد 83 طالباً يعلمهم معلمان، وفيها 180 رجلاً يلمون بالقراءة والكتابة.
وكان في القرية مسجدين، هما مسجد إبراهيم الخليل، الذي أنشأه حسن السعد وهو من وجهاء أم الفحم، في موقع يعرف بـ"خربة ظهر الدار".
كما تضم القرية مسجد المحاميد، الذي أقامته حمولة المحاميد في الخربة القبلية، وهو مبني من الحجارة البيض، بالإضافة لمقام ست ليلى، وهو قائم حتى اليوم، ويُقال أن أهالي القرية اعتبروها مجاهدة، وأطلقوا اسمها على عين ماء.
معركة القبور المستمرة
ولمقبرة القرية حكاية، والتي في قطعة أرض، تريد "إسرائيل" مصادرتها، ومن أجل ذلك، لا تزال تشهد القرية معركة، تتجسد في إزالة شواهد القبور على يد طواقم ما تسمى "دائرة أراضي إسرائيل"، فيما يُعيد الأهالي نصبها مجددًا، للتأكيد على قدسية وأحقية شهداء القرية وأم الفحم المدفونين فيها، بالأرض.
يُذكر أن القرية كان فيها مركز رعاية صحية، وسوق طواحين صغيرة لخدمة أهالي القرية والقرى القريبة، وست طواحين للحبوب وعدة دكاكين.
واعتمد أهالي اللجون في معيشتهم على زراعة الحبوب وشجر الزيتون والحمضيات والمواشي، ومن عائلاتها: محاجنة ومحاميد واغبارية وجبارين، أي العائلات ذاتها التي تقطن أم الفحم وقراها.